الخطاب التكفيري في الفكر العربي الحديث والمعاصر
عماد علوّ*
قبل الدخول في أهم النقاط الواردة في احاطة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق السيد بان كوبيتش الى مجلس الأمن بتاريخ 22 أيار 2017 لابد لنا من ذكر أن بعثة الامم المتحدة لتقديم المساعدة للعراق المعروفة بـ(يونامي) كانت قد تأسست بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1500 في 14آب 2003 لتولى مهام برنامج النفط مقابل الغذاء بعد انتهائه في 21 تشرين الثاني 2003 .وقد فوض مجلس الأمن بعثة (يونامي ) بمراقبة حقوق الانسان في العراق بالتعاون مع وزارات العدل ، وحقوق الانسان ، و الداخلية ومنظمات المجتمع المدني ، وفق الفقر7 من قرار مجلس الأمن 1546.وكان من أبرز النقاط التي تناولتها احاطة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق السيد بان كوبيتش الى مجلس الأمن بتاريخ 22 أيار 2017 ما يتعلق بإشادته بشجاعة ووطنية (قوات الأمن العراقية) بما فيها قوات الحشد الشعبي والبيشمركة ومتطوعو العشائر في الحرب ضد تنظيم داعش الارهابي دون أن يستعمل او يتطرق السيد كوبيتش في تقريره الى (الجيش العراقي) وكأن العراق لا جيش اتحادي له ، وهذه نقطة مهمة لابد لكوبيتش من توضيحها وتجاوزها لأنها تتعلق بسيادة الدولة العراقية الاتحادية ، وكذلك بهيبة الحكومة الاتحادية المسؤولة عن الجيش العراقي فضلا” عن ما في هذا التجاهل المتعمد لـ(الجيش العراقي) من غمط وازدراء لدماء وتضحيات وبطولات منتسبي الجيش العراقي الباسل في قتالهم ضد عصابات داعش الارهابي.كما أكد السيد كوبيتش في احاطته لمجلس الأمن على ضرورة الاستمرار بدعم ومساعدة العراق على نحو متواصل وواسع النطاق من جانب المجتمع الدولي في هذه المرحلة والمراحل التي تليها لضمان اعادة اعمار المناطق المحررة من تنظيم داعش الارهابي ، وضمان عودة سريعة للنازحين الى المناطق المحررة . وتوقع كوبيتش أن تشهد المرحلة التي تلي التحرير سعي تنظيمي القاعدة وداعش للتعاون مع عصابات الجريمة المنظمة، بهدف استغلال وتعميق الانقسامات الطائفية والعشائرية والعرقية ، مشددا” على ضرورة الاصلاح الطويل الأمد والشامل لقطاع الأمن على أن يتعين تطبيق قانون هيئة الحشد الشعبي على نحو يعزز السمات اللاطائفية والمتعددة الاديان والمتعددة العرقيات لقوات الحشد الشعبي ويوطد سيطرة الحكومة على تلك القوات وضمن الرقابة والمسائلة الديمقراطيتين .
وفي اشارته الى مبادرة أو مشروع (التسوية الوطنية) عده كوبيتش أمرا” حيويا” لضمان وحدة العراق واستقراره على المدى الطويل . الا أن السيد كوبيتش لم يتخذ موقفا” واضحا” من الاجتماعات التي عقدتها اطراف سياسية خارج العراق لتشجيع الزعماء والجماعات السنية على تبني رؤية موحدة لعراق ما بعد داعش بحسب تعبيره !رغم ذكره أن الحكومة العراقية قد انتقدت تلك الاجتماعات ومنع مجلس النواب العراقي في 30 /4/2017 حضور او المشاركة بتلك الاجتماعات داخل وخارج العراق دون موافقة السلطات العراقية . ولكن كوبيتش طالب في هذه الفقرة من الشركاء الدوليين أن ينسقوا على نحو تام مع الحكومة العراقية وأن يحترموا مبادئ السيادة وعدم التدخل بالشؤون العراقية الداخلية دون أن يوضح أو يشير الى دور الامم المتحدة أو بعثة (يونامي) بهذا الصدد. وقد تحدث كوبيتش في تقريره بشكل مفصل عن هموم ومعاناة الاقليات في العراق وعكس مطالب بعض الاقليات بتأسيس محافظات او وحدات ادارية على اساس ديني او عرقي وتشكيل قوات عسكرية تدمج في منظومة الأمن الوطني بحسب تعبير كوبيتش! وهذا أمر يعد بداية أو بذرة لتقسيم العراق واشاعة الفرقة والتمييز العرقي والديني بين ابناء الشعب العراقي ، الأمر الذي يضع أكثر من علامة استفهام على دور (يونامي) في العراق وما اذا كان يتوافق وينسجم مع التفويض الذي منحه اياها مجلس الامن الدولي ؟ .وقد تطرق السيد كوبيتش الى عمليات الاختطاف والاختفاء القسري في العراق وطالب الحكومة العراقية بالتحقيق فيها والكشف عن مرتكبيها ، كما حذر من تأخير عودة النازحين الى مناطقهم الاصلية لما يسببه هذا التأخير من تغيير في التركيبة السكانية مبديا” استعداد الامم المتحدة للمساعدة في تسريع هذه العملية ! وفي معرض حديثه عن نيّة حكومة اقليم كردستان في اجراء استفتاء بشأن الوضع المستقبلي لإقليم كردستان أشار الى ضرورة أن يستأنف برلمان اقليم كردستان جلساته من جديد قبل صدور أي قرار رسمي بإجراء الاستفتاء ! يذكر أن برلمان اقليم كردستان لم يعقد أي جلسة له منذ أن منعت حكومة الاقليم رئيسه من ممارسة مهامه في خريف عام 2015 كما أن ولاية السيد رئيس الاقليم قد انتهت منذ اكثر من سنتين ، مما يضع علامات استفهام على شرعية اي استفتاء قد تجريه الحكومة الحالية لإقليم كردستان.والغريب أن الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق السيد بان كوبيتش لم يتطرق في تقريره الى مجلس الامن الدولي لا من قريب ولا من بعيد الى استمرار تواجد القوات التركية في معسكر بعشيقة رغم المطالبات المستمرة والادانة الرسمية العراقية وجامعة الدول العربية لهذا التواجد الذي يعد انتهاكا” واضحا” للسيادة العراقية وتقويضا” للجهود الاقليمية لمحاربة تنظيم داعش الارهابي بل اكتفى بالإشارة الى القصف التركي لقوات حزب العمال الكردستاني التركي في سنجار فقط !واشار السيد كوبيتش في تقريره الى الخلاف بين بعثة (يونامي) والبرلمان العراقي حول الغاء دور بعثة (يونامي) كعضو كامل العضوية في لجنة خبراء لاختيار اعضاء المفوضية العليا لحقوق الانسان في العراق والذي اتخذه مجلس النواب العراقي بتاريخ 29نيسان 2017 . وقد اعتبر كوبيتش أن هذا الاجراء هو تسيس لعملية اختيار اعضاء المفوضية مما يخالف المعايير الدولية والدستورية التي تضمن استقلال الاشخاص المعنيين للخدمة كمفوضين ، مما دفع بعثة الامم المتحدة الى تعليق مشاركتها في تلك اللجنة حتى يتم التوصل الى حل ملائم ! ونعتقد أن هذا الخلاف سينعكس سلبا” على شرعية اختيار اعضاء المفوضية العليا لحقوق الانسان في العراق ، مما يتطلب مراجعته ليتناسب مع المعايير الدولية والدستورية المشار اليها..وتحدث السيد كوبيتش مطولا” عن الظروف المعقدة التي تحيط بالاستعدادات الجارية لإجراء انتخابات مجالس المحافظات في ايلول 2017والانتخابات التشريعية القادمة في 2018 ايضا” مبديا” شكوك وقلق (يونامي) فيما يتعلق بالاطار القانوني والمؤسسي الانتخابي والاستعدادات لإجراء الانتخابات في مواعيدها المحددة بطريقة تضمن المصداقية والشمولية والمشاركة الواسعة . كما تطرق كوبيتش الى جملة من القضايا الاخرى مثل حث الحكومة العراقية ومجلس النواب على الاسراع بتشريع قانون النفط والغاز ، اضافة الى اشارته الى ما تتعرض له النساء من عنف اسري وجنسي ، ليختم تقريره بإشارة مقتضبة الى ملف المفقودين الكويتيين الذي فقد مبرر استمراره بعد 14عام من الجهود المشتركة من لدن الحكومتين العراقية والكويتية لحل القضايا ذات الصلة بهذا الملف !ختاما” لابد لنا من التذكير بان الامم المتحدة كانت قد اصدرت اكثر من 80 قرارا” مذ عام 1990 يتعلق بفرض عقوبات على العراق ، كلها أوصلت العراق وشعبه الى الحالة الكارثية التي هو عليها اليوم .. كما لابد لنا من القول أن الشعب العراقي لم يلمس أي نتائج واضحة على الصعد السياسية والاجتماعية ولا حتى على صعيد المصالحة الوطنية لعمل بعثة الامم المتحدة لتقديم المساعدة للعراق المعروفة بـ(يونامي (رغم الامكانيات المادية والبشرية والدعم المقدم لها من الحكومة العراقية والقوى السياسية العراقية .. وقد آن الأوان لمراجعة مبررات وجودها وعملها والتفويض المعطى لها من مجلس الامن الدولي ، وذلك لاختلاف الظروف الموضوعية والسياسية التي احاطت بذلك التفويض منذ14 عاما” ، فضلا” عن التكاليف المادية الكبيرة التي يتحملها العراق نتيجة استمرار عملها في العراق في وقت يمر فيه العراق بأزمة اقتصادية وضائقة مالية كبيرة ، اذا ما قارنا الفترة الزمنية والجهد المتراكم للبعثة مع نتائج عملها على الارض نجده فاشلا” بكافة المعايير السياسية وما يتعلق بحقوق الانسان !فلا يزال العراق يعاني من ازمات سياسية مزمنة ، وانتهاكات في مجال حقوق الانسان ، بالإضافة الى تمزق واضح في نسيجه المجتمعي لم تتمكن يونامي من تقديم اي مقترح او مبادرة للحد منه .. ويدعي مسؤولون رفيعو المستوى في بعثة يونامي أن على العراقيين تقديم مقترحاتهم لتطوير العمل المتلكئ لبعثة (يونامي) ! نقول اذن ما هو دور مستشاريها وخبرائها اذا كانوا ينتظرون من العراقيين مقترحات لتطوير عملهم ؟
*مستشار المركز الاوربي لدراسات مكافحة الارهاب