أسئلة المشروع التربوي العراقي

د. مزهر جاسم الساعدي
لم يعد المشروع التربوي في العالم مشروعا ترفيا تتجاذبه أهواء وتوجهات سياسة الحكومات المتعاقبة على إدارة الحكم في مختلف بلدان العالم, وإنما هو مشروع ستراتيجي ومتكامل تتوافر له كل متطلبات النهوض بذاكرة وثقافة المجتمعات وتوجهاتها الحالية والمستقبلية, لأنها تطمح إلى إنتاج إنسان يعتز بوطنه ويعيش بوئام ومحبة مع المواطنين الآخرين, وتنمو عنده شيئا فشيئا روح الإبداع والابتكار.
إن البلدان التي شهدت طفرات نوعية في نوع التعليم الذي يتلقاه الطفل لم تصل إلى ما وصلت إليه إلا بعد سلسلة من الإجراءات المتعاقبة والمرسومة بدقة دونما استهانة بأي مفصل من مفاصل العملية التربوية ابتداء من الفلسفة والأهداف والمناهج وإعداد المعلمين والقيادات الإدارية فضلا عن توافر البنايات الصالحة المهيأة بيئيا وصحيا والوسائل المساعدة لإتمام عمليات التعليم والتعلم. وصار حجم الإنفاق عليه في موازنات الدول من الاولويات التي لا يدانيها ويقاربها شيء آخر. وصار مؤشر الاهتمام بالتعليم في المنتديات والاتفاقات والإعلانات العالمية كاشفا ودليلا على مدى تطور البلدان وتأخرها.
لذلك بدأت الدول بسؤال شجاع وجوهري
تم طرحه من قبل النخب المجتمعية فضلا
عن المؤسسة الحكومية المعنية يتلخص بمعرفة المخاطب الذي هو الطفل أو التلميذ وماذا يراد أن يصنع بتكوين عقله ونموه وتطويره وكيفية تشكيله بما لا يسهم بتجهيله وارتباكه, ثم طرحت السؤال الآخر الذي يجيب عن الواقع السائد وما هي المشكلات التي ينبغي وضع الحلول لمعالجتها؟, فإن كانت الفجوات صغيرة يمكن ردمها والعمل على تداركها ووضع الخطط التطويرية التي من شأنها رفع الكفاءة ومستوى التعليم في البلد, وان كانت غير ذلك – لا سيما في الدول التي تمر بتحولات جوهرية على الصعيد السياسي والمجتمعي – فان التطوير قد لا ينفع ويعد بمثابة العملية الترقيعية التي سرعان ما تنكشف عورتها وهزالها, وقررت الاتجاه إلى التغيير والفرق ما بين التطوير والتغيير هو فرق كبير يستدعي أدوات وآليات مغايرة بالمطلق.
ولعل تفاقم المشكلات التربوية في العراق فضلا عن آثارها الحالية والمستقبلية على مستويات عدة تستدعي القائمين على المشروع التربوي العراقي فضلا عن النخب المجتمعية بأن يعودوا إلى المنطقة الصفرية إن جاز لنا تسميتها بذلك, والتي تعترف بشجاعة القول وصراحة التأسيس, واعني أن يعود المشروع التربوي العراقي إلى سؤال الانطلاق وينسى المراحل التي أدت إلى تدهوره ووصوله إلى ما وصل إليه بعد مراجعتها والوقوف عند أهم محطاتها وتحليلها.
وليس عيبا أن يمكث المعنيون مدة قد تطول أكثر مما ينبغي شرط أن تتمخض عن
ولادة طبيعية لمشروع متكامل ينهض
بثقافة ووعي المجتمع بدلا من كونه
مشروعا استلابيا يسود فيه الماضي
ويغيب عنه المستقبل ولا يجد فيه التلميذ ما يرشده في حاضره, فضلا عن كونه هجينا لا يجد فيه التلميذ الانتماء إلى عراقيته ووطنيته.
إن الأمثلة على ما ندعيه كثيرة وكثيرة جدا فان غابت عن القائمين على المشروع التربوي فأنها لن تغيب عن المهمومين به.
ولعل الاسئلة الأهم التي يجب أن تسأل الآن وليس بعد مضي وهدر المزيد من الوقت, كما سألتها العديد من الدول التي شابهت ظروفها العراق, هي: إلى أين نمضي بمشروعنا التربوي؟ وهل نريد تطويره أم تغييره؟
من يكلف بهذه المهمة؟
ما هي الإجراءات المصاحبة؟ وما هي الاجراءت اللاحقة؟
والإجابة الافتراضية السائدة التي يعمل عليها القائمون على المشروع التربوي هي إننا نعمل من خلال مؤسساتنا بالشراكة مع بعض المؤسسات الدولية على تطوير العملية التربوية بشكل عام وسنمضي بهذا العمل حتى يصل إلى نهايته وبذلك فاننا نراهن على الوقت.
بعد مضي أكثر من ثلاثة عشر عاما على التغيير اقول:
إن المؤسسة التربوية التي لا تنتج إنسانا محبا لوطنه وللآخرين الذين يعيشون معه بمختلف توجهاتهم وعقائدهم وأديانهم.
وان المؤسسة التربوية التي أخفقت في إنتاج إنسان محافظ على ممتلكات الدولة والمال العام من الهدر والسرقة.
وان المؤسسة التربوية التي لا توحد ذاكرة المجتمع وتكون سببا في انقسام أبنائه.
وان المؤسسة التربوية التي لا تنتج مفهوما وطنيا يتوحد عنده الجميع.
وان المؤسسة التربوية التي لا يشم فيها التلميذ رائحة الهور ونسيم الجبل وليل الصحراء.
وان المؤسسة التربوية التي تخرج تلاميذا يقرأون ويكتبون ولا يفهمون ما يقرأون ويكتبون.
وان المؤسسة التي لا يشاع فيها مفاهيم الحب والتسامح واحترام القانون.
وان المؤسسة التي لا تنتج مبدعين وموهوبين ومخترعين وعلماء.
وان المؤسسة التي لا تفرض نفسها وثقافتها على مجتمعها.
أليس الأجدر بها أن تتجه إلى التغيير عوضا عن التطوير؟.