ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ (بالاقتصاد الناجح)

مهند الساعدي
سنوات طويلة والاحزاب الاسلامية ، ونصف الاسلامية، وربع الاسلامية ، والإسلامية نسبياً ، في تركيا ، تحاول الوصول وتطرح : معاندة الدستور ومراجعته، وتفكر بالانقلابات، وترسيخ القواعد الشعبية الاسلامية، وانتهاز فترة ما كان يعرف بـ (الصحوة الاسلامية )، واستغلال النظام الديمقراطي، والوصول عن طريق الانتخابات. وما سواها من وسائل التنظيمات الاسلامية التقليدية في العمل الجماهيري مثل المساجد، والمنابر، والجمعيات الخيرية، والشعائر الدينية. وفي كل مرة كانت التجربة تنحسر في ثنائيات معطلة تؤدي اما الى الإجهاض او المحاصرة او الفشل ثنائيات: الغرب والشرق، الاسلام والعلمانية، العسكري والمدني ، والدين والدنيا ، الحديث الذي لا ينقطع السجال فيه وحوله حتى جاءت تجربة العدالة والتنمية وحققت النجاح الاقتصادي، وشهدت تركياً نمواً، وارتفع الدخل القومي، وتحرك الاستثمار، وازدهرت السياحة، وتضاعف الانتاج والتصدير، وشاع نمط مشاريع الانتاج الاستهلاكي الصغيرة والناجحة.
حينها نسي الأتراك الأحاديث الايديولوجية، عن جنس الملائكة، والحجاب ، والخمور، وتعريفات مختلف عليها للديمقراطية والعلمانية. وذهبوا كلهم حول مشروع الدولة الاقتصادي الناجح، وأصبح التنافس السياسي يدور فيه وحوله ، بين المعارضة والحزب الاسلامي الحاكم، وليس حول اتاتورك او السلطان عبد الحميد.
بناء الدولة والاقتصاد هو خير ما ندعو به الى الله في هذه المرحلة.ذهب ( العدالة والتنمية ) ليقوم بالمهام التالية:
* محاربة الفساد لاسيما في البنوك الحكومية وتقديم الساسة ورجال الاعمال للمحاكمة ووضع يده على أملاكهم في خطوة استلهم فيها تجربة الرئيس بوتين في روسيا .
* تقديم الحل العملي لازمة السكن حيث دشن مشروعه ببناء ألف شقة للفقراء وذوي الدخل المحدود بأقساط ميسّرة تتراوح بين 15 و20 سنة، ومن قبل شركات تركية واعدة.
* تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 8 بالمئة سنوياً جعل تركيا تحتل المرتبة 17 كأقوى الاقتصادات في العالم.
تحقيق أرقام قياسية في الصادرات وصلت إلى 100 مليار دولار، محطمة أرقاماً قياسية غير مسبوقة في تاريخ الاقتصاد التركي . فقد شهد الناتج المحلي الإجمالي خلال أربع سنوات ونصف السنة فقط من 181 مليار دولار ليصل الى 400 مليار دولار.
* تحقيق معدّل دخل فردي من 2589 دولارا للفرد عند مجيء حزب العدالة والتنمية للحكم الى حدود 5700 دولار. حققت تركيا في العام 2006 المركز الـ18 للدول الأعلى نموا في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي، وقد حقّقت نموا مستمرا بين 5 و8بالمئة في السنة لأكثر من خمس سنوات متتالية لتحل خلف دولة متقدمة مثل بلجيكا والسويد مباشرة حقق الاقتصاد التركي خلال عامي 2010-2011 نموّا سنويا بمعدل 8.5 بالمئة ليصبح بذلك ثاني أسرع اقتصاد نموا في العالم، بعد الصين التي بلغ نموّها 9.2 بالمئة عام 2011.
* حقق نجاحاً لافتاً على صعيد الديون حيث كانت قد بلغت نسبة صافي الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي 38.4 بالمئة في 2002، انخفضت النسبة إلى 24.2 بالمئة بحلول 2012 . كذلك، انخفضت نسبة صافي ديون القطاع العام الخارجية إلى الناتج المحلي الإجمالي من 25.2 بالمئة عام 2002 إلى 0.6 بالمئة عام 2011. وانخفضت النسبة إلى الصفر العام 2012.
* تحقيق النجاح في برامج الضمان الاجتماعي بحيث ارتفع إجمالي الإنفاق الاجتماعي بما في ذلك المدفوعات المختلفة لوكالة الضمان الاجتماعي عام 2011 إلى 1.42 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي . وزاد الإنفاق الاجتماعي من 1.376 مليار ليرة تركية عام 2002 إلى 18.216 مليارا عام 2012 بحسب ( تركيا بوست).
ان تحويل التنافس الحزبي ، والانتخابي ، والسياسي، من مرحلة التنافس الايديولوجي حول هوية الدولة والمجتمع ، الى مرحلة اخرى متقدمة ، هي التنافس الاقتصادي حول النهوض بالدولة والمجتمع هي احد اكبر مهام العمل الحزبي الناجح.
ان الأحزاب الاسلامية في العراق مدعوة اليوم الى الاصغاء العقلاني لتجارب دولة اسلامية قريبة وبعيدة عنا من اجل استلهام طريق النجاح وركوبه ، والتنكب عن طريق النزاع والجدل الايديولوجي بين العقائد السياسية المتناقضة ، الذي من الممكن جدا ، تركه للفعاليات والمشاريع الفكرية والاكاديمية والعلمية ، ولا يدخل مباشرة في الصراع السياسي والانتخابي الذي يجب ان يتركز حول برامج التنمية والتقدم الاقتصادي.
لم تعد الأحزاب الاسلامية اليوم تتحمل العبء الأكبر في نشر الاسلام والدعوة الى التدين ، ففي ظل نظام يطلق الحريات ، ولا يفرض قيوداً على المساجد او الحوزات او حركة الكتاب او المدارس الدينية او جمعيات العمل الخيرية، سيترك الباب واسعاً امام المرجعيات الاسلامية الكبرى والحوزات وصلوات الجماعة والجمع، وحركة الكتاب ، والاعلام الديني ، والشعائر لتأخذ طريقها في اداء رسالة الدين في المجتمع.
انها ليست دعوة مباشرة لهذه الأحزاب في التخلي عن مشروعها الاسلامي ، بقدر ما هي دعوة لإعادة التموضع الحضاري والسياسي، وإعادة تقسيم الأدوار والمهام بين قطاعات المجتمعات الاسلامية المتعددة، والذي يعني اليوم ان تتخصص هذه الأحزاب اكثر بالعمل السياسي وبناء الدولة والتقدم الاقتصادي..
ان الطرق الى الله بعدد انفاس الخلائق ، وابواب الخير كثيرة ، والباب الذي يدخل منه الاسلاميون ، لكل خير اليوم، هو باب تيسير فقه المعاش، والقضاء على الفقر، وتحقيق الحياة الكريمة للشعوب..