رؤية مستقبلية لواقع الإسكان في العراق
المهندس استبرق ابراهيم الشوك
يعد السكن من المستلزمات الاساسية لحياة الانسان، ويأتي تسلسل اهميته بعد الطعام والملبس، اذ ان الوحدة السكنية توفر المكان الذي تتم فيه اهم جوانب الفعاليات الانسانية على الصعيدين الفردي والاسري.
يعد الاسكان مكونا اساسيا للتنمية الحضرية ذا صفة مركبة من اعتبارات اجتماعية، اقتصادية، عمرانية، تقنية وسياسية باتجاه السيطرة الانسانية على البيئة.
والمشكلة الاسكانية ذات ابعاد عالمية، والسبب في ذلك يعود الى ان الاسكان ليس سلعة منتجة فقط بل هو عملية تفاعلية مركبة ومستمرة تعتمد على عدد كبير من المتغيرات اهمها الواقع الاقتصادي العام والخاص وكذلك تاثير الزيادة السكانية التي تولد ضغطا كبيرا على هيكلية ونسيج الاستيطان البشري وتساعد على ظهور مشاكل عديدة اهمها تلك المتعلقة بتوفير الارض الصالحة والكافية لاستيعاب هذه الزيادات بالاضافة الى التزاحم الكثيف على الخدمات والبنى التحتية الاجتماعية والفنية للمناطق السكنية والذي يؤدي الى هبوط نوعي في مستوى الصحة العامة للمجتمع وكذلك الى حدوث مشاكل اجتماعية وانسانية متعددة. والتحدى الذي يواجه معظم الدول في العالم، النامية منها بشكل خاص وكذلك الدول التي تمر بفترات انتقال مثل العراق يرتبط في الاساس بضمان وجود نظام تنفيذ لمشاريع الاسكان وتسليم الوحدات السكنية باسلوب فعال للمواطنين.
تحليل لواقع قطاع الاسكان في العراق
لا يخفى ان عملية تشييد الوحدات السكنية في العراق هي جزء من عملية اعادة الاعمار والبناء، وان ما يتم انجازه حاليا ليس بمستوى الطموح والامال وذلك لاسباب كثيرة منها ما ورثناه من اعباء من النظام السابق وكما ياتي:
1- خلال العقدين الاخيرين للقرن الماضي لم يتح للاقتصاد العراقي فرصة للانطلاق بشكل عام وقطاع التشييد والبناء بشكل خاص وخصوصا الاسكان وقد ساءت الاوضاع اكثر في ظل الحصار الاقتصادي (1991-2003) الذي اسفر عن حرمان العراق من صادراته النفطية حيث امضى العراق عقد التسعينيات وهو يعاني من نقص رأس المال وعدم القدرة على تمويل المشروعات التي تحتاج الى اعتمادات مالية ضخمة مثل مشاريع الاسكان اضافة الى الاجراءات الحكومية الخاطئة واهمها الغاء الهيئة العامة للاسكان العام 1987 والتي اعيد تاسيسها بموجب قانون رقم 39 لسنة 2001 ما جعل الاسكان ينتقل من كونه “حاجة” الى مرحلة “العجز” ليصل الى مرحلة” المشكلة” ومن ثم الى “الازمة” ولينذر بالكارثة حاليا كنتيجة لتوقف مشاريع الاسكان المنفذة من قبل القطاع العام وبالتزامن مع الانخفاض في القدرة الشرائية لانخفاض معدل دخل الاسرة وانخفاض التخصيصات للقطاع من برنامج النفط مقابل الغذاء حتى نهاية 2000 مسببا نقصا بحوالي 97.5% من مجموع الوحدات السكنية المقرر تنفيذها بين 1989-1996.
2- ضعف دور التمويل الاسكاني بسبب انعدام المبالغ المرصودة للاستثمار في قطاع الاسكان لاسباب عديدة اهمها، هي ان المؤسسات الرسمية التي كانت مسؤولة عن توفيره عانت من حالة من السبات والتوقف على مدى عقدين او العقود الثلاثة الاخيرة وتعقيد نظم الاقراض والشروط الموضوعة وانخفاض مستويات الدخول ما يؤدي الى عدم قدرة المقترضين على الايفاء بمستلزمات تلك القروض لارتفاع اسعار الفائدة مقارنة بدخولهم وقصر مدة القروض اضافة الى انعدام دور القطاع الخاص في مجال التمويل الاسكاني لغياب المحفزات.وقد ادى ذلك الى مشاكل اسكانية.
انظر الجدول رقم(1)
وهذا يتطلب استمرار دعم الدولة لشريحتي ذوي الدخل المحدود والواطئ التي تمثل 70-80% من مجموع السكان
اضافة الى ما تقدم كان هناك:
3- قانون الايجار للدور السكنية الذي لم يعد له اي مغزى اقتصادي.
4- اصدار قانون يمنع غير المسجلين في بغداد العام 1957 للسكان من استئجار او شراء عقار في مدينة بغداد.
5- ارتفاع كلف التشييد الاسكاني بسبب ارتفاع تكاليف مواد البناء ونقص اليد العاملة الماهرة.
6- تجميد كثير من الاراضي التي اقترحها التصميم الاساس لمدينة بغداد لعام 1973 كخزين للاراضي السكنية وتم تحويل اغلبها الى استعمالات حضرية اخرى.
الاسباب المستجدة بعد العام 2003:
1- استمرار غياب سياسة اسكانية وطنية واضحة ومستقرة ومستمرة ذات ستراتيجيات تنفيذية محددة.
2- تحولات النظام السياسي بمفاصله كافة (التشريعية والتنفيذية) ما يشكل انعكاسات على البنية المجتمعية
ذات التاثير المباشر على نشاط الاسكان.
3- تعدد جهات اتخاذ القرار الخاص بالانتاج الاسكاني بين وزارة الاعمار والاسكان ومجالس المحافظات (قانون الاقاليم رقم 13 لسنة 2008 وقانون مجالس المحافظات رقم 21 لسنة 2008 ) وعدم وضوح الصلاحيات والمحددات لكل منهم اي غياب الهيكل المؤسساتي الهرمي لاتخاذ القرار.
4- احجام المستثمرين من استثمار اموالهم في تشييد المساكن لطول الفترة الزمنية اللازمة لاسترداد اموالهم اضافة الى ارتفاع قيمة الكفالات المصرفية وغياب آليات واضحة لتنفيذ قانون الاستثمار الاخير.
5- محدودية دور صندوق الاسكان والمصرف العقاري في تحقيق تقدم في مجال التمويل الاسكاني اذ تنقصهما ادوات الاقراض المبتكرة وتوفير تمويل المشاريع المنتجة لوحدات سكنية تفوق كلفتها قدرة الاسر المستهدفة فيها على الشراء والدفع.
6- عدم وضوح المعايير الاسكانية المحددة للحد الادنى الذي يجعل من المأوى ملائما للسكن.
7- ضخامة حجم الشرائح المستهدفة بالاسكان المجاني من قبل الحكومة لشريحتي ذوي الشهداء والسجناء السياسيين لان قوانين مؤسستيهما اقرت توزيع الاراضي وبناء المجمعات السكنية وتوزيعها لهم مجانا والتي سوف تستنفد معظم الانتاج الاسكاني العام حتى 2015 في اقل تقدير.
8- ظاهرة المهجرين داخليا كجزء من المشكلة الاسكانية وليست مسألة متفردة.
تقدير الحاجة السكنية :
بالاعتماد على المجموعة الاحصائية السنوية لعامي 2005-2006 للجهاز المركزي للاحصاء وتكنولوجيا المعلومات المعتمدة على نتائج الاحصاء السكاني لعام 1997 بالاضافة الى مؤشرات دراسة سوق السكن العراقي في العام 2006 التي اعدتها وزارة الاعمار والاسكان بالتعاون مع برنامج الامم المتحدة للمستوطنات البشرية (الهبيتات) يمكن تقدير الحاجة السكنية لسوق السكن في العراق على اساس تحديد سنة 2015 كسنة للهدف، يمكن التوصل الى النتائج التالية:
انظر جدول رقم(2)
المعايير التي اعتمدت في تقرير الحاجة السكنية:
أ- ان معدل النمو السنوي السكاني يبلغ (3%).
ب- متوسط حجم الاسرة هو (5-6) اشخاص.
ج- معدل الاكتظاظ (عدد الاسر للوحدة السكنية) هو (1.23).
د- نسبة الاندثار السنوي (استبدال الوحدات غير القابلة للتأهيل) هي (5%).
هـ- الرصيد السكني في سنة الاساس 2006 يبلغ 2500000 وحدة سكنية.
و- بلغ معدل التحضر 66% سنة 1997 في حين تشير التوقعات الى وصول نسبة التحضر الى 80% مع نهاية العقد الحالي. مما تقدم يتضح ما يلي:
ان مجموع السكان في سنة 2015 سيبلغ حوالي 37554537 نسمة في حين سيبلغ مجموع الحاجة السكنية للفترة 2006-2015
3528585 وحدة سكنية على مدى عشر سنوات بواقع 352859 وحدة سكنية سنويا يتطلب تشييدها.
الحلول الآنية السريعة المقترحة:
في ظل القدرة المنخفضة على شراء الوحدة السكنية ودفع ثمنها والنقص في تمويل الاسكان والكلفة العالية للاراضي السكنية، ولمحاولة جعل الوحدات السكنية اكثر توافرا وضمن قدرة الاسر على الدفع لدنيا اربعة حلول مقترحة:
الحل الاول:
زيادة التخصيصات المالية من موازنة الدولة السنوية لقطاع الاسكان:
اذ يؤدي الى ايجاد الحلول لمعالجة الازمة السكنية انيا باعتبار الاسكان مكوناً جزئياً ضمن المنظومة الحضرية الشاملة وبالتالي يمكن للاسكان وبناء البنى التحتية ان يوفرا فرصاً لدعم الاقتصاد ويزيدا فرص عمالة هائلة لعمال البناء غير المهرة وشبه المهرة والماهرين. ولالقاء نظرة على النسبة المئوية لتخصيصات قطاع الاسكان ضمن التخصيصات السنوية لوزارة الاعمار والاسكان ومجموع الموازنة العامة للدولة للسلسلة الزمنية من 2004 الى 2009 وكما في الجــــدول رقم (3).
الحل الثاني
تطوير ودعم قطاع التمويل الاسكاني لتمكين الافراد وتشجيعهم لبناء وشراء الوحدات السكنية او من خلال
الشركات العقارية:
ولجعل المنتجات السكانية ضمن قدرة الاسر على الشراء والدفع لابد من تخفيض تكاليف هذه المنتجات او زيادة المبالغ والتمويل اللازم لها. وبموجب الظروف السائدة فانه مالم تتوفر مبالغ كبيرة من الدعم، يحتمل ان تكون الاسر ضمن شريحة الدخل المنخفض بحاجة لان تجري تحسينات تراكمية على وحداتها السكنية.
الحل الثالث
تخيفض الكلف اللازمة لتشييد الوحدات السكنية ودعم صناعة المواد الانشائية وتطوير قدرات الايدي العاملة:
ان كلفة الارض المحسنة بالبنى التحتية اضافة الى كلف البناء يزيد المشكلة اكثر، ولخفض كلف البناء فان ذلك يتم من خلال تحسين وضع مرافق الانتاج المحلية التي تعرض العديد منها الى دمار كبير وتحسين مهارات قطاع الانشاءات بانشاء مراكز تدريب مهنية مع ادخال التقنيات واساليب البناء الحديثة والسريعة.
الحل الرابع
تحديد الحد الادنى للمعايير الاسكانية التي تجعل المأوى صالحا للسكن:
واعتماد التصاميم المرشدة التي تجيب على المتطلبات البيئية والاجتماعية. فهناك عدد محدود من الارض المزودة بالخدمات ازاء الحاجة الكبيرة للاسكان، هناك حاجة الى تدخل كبير وتجميع للاراضي وتطويرها بالخدمات الاساسية وتقديم فرص سكنية منخفضة الكلف مع تطوير معايير بناء وتعليمات وانظمة تخطيط سهلة الاستخدام وبسيطة وتوجه الدولة للبناء العمودي للاستفادة من الاراضي المخدومة.