حكومة الطوارئ في العراق بين مقتضيات المصلحة ومتطلبات الهيمنة

الدكتور أحمد الميالي
منذ ان استلم د.حيدر العبادي طرحت دعوات من بعض اجنحة القوى السياسية لقيام حكومة طؤارئ واحيانا اخرى حكومة انقاذ وطني وتارة اخرى حكومة مصغرة من قبل تحالف القوى العراقية وائتلاف الوطنية وحتى بعض اطراف التحالف الوطني بالمقابل يطرح الحزب الديمقراطي الكردستاني مسالة الانفصال واجراء الاستفتاء على ذلك.

تتسم هذه الدعوات بانها سياسية ودعائية اكثر منها واقعية او معبرة عن موقف سياسي موحد ورسمي للداعين لها، فكلما زادت التجاذبات السياسية بين الفرقاء حول القضايا الجوهرية تطرح هذه الخيارات في وسائل الاعلام ولانراها تدرس داخل الهيئات السياسية لهذه القوى ويعلن عنها كخيار مطروح ومتبنى.

لكن في الاونة الاخيرة طرح خيار حكومة الطؤارئ بشكل متواتر مع اشتداد سير المعارك ضد تنظيم داعش وقرب حسم تحرير كامل الموصل وغموض مشهد ادارة الحكم في الموصل والمناطق المحررة الاخرى بعد هزيمة التنظيم.

من قبل منصات دولية واقليمية كالادارة الامريكية، وبعض القوى السياسية خاصة مع قرب مشاهد عدم الوضوح لكيفية ادارة تلك المناطق اضافة الى تعقيدات الوضع السياسي المتعلق بتاجيل الانتخابات المحلية وقد ينسحب على الانتخابات النيابية المقبلة وارتباطا مع جمود ملف تغيير المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وملف النظام الانتخابي وقانون الانتخابات المختلف عليه، هذه التعقيدات قد تدخل البلد نحو ازمة حكم حقيقية تتيح للاطراف الدولية والاقليمية انخراطا اكثر في الساحة العراقية وتعطي لبعض القوى السياسية وخاصة من تعاني من تراجع الرصيد الانتخابي والشعبي طرح بدائل لاختلال الحكم والمتمثلة بحكومة طؤارئ او انقاذ وطني او حكومة مصغرة، لان التعطيل الدستوري للاستحقاقات الانتخابية وغياب استراتيجيات ادارة الاوضاع مابعد داعش تحقق اجماع ومقبولية الاطراف كافة قد تعزز الطعن بشرعية الحكم ويسمح من خلال ذلك التخطيط لمرحلة سياسية جديدة تبدا من خلال التمديد او تصريف الاعمال والاخطر من ذلك طرحت مثل هكذا انواع من الحكومات للعراق في بعض المؤتمرات الاقليمية والدولية لبعض القوى السياسية لتبينها مابعد داعش.

المهم ان نوضح ماذا تعني حكومة الطؤارئ والانقاذ، هنالك لبس سياسي في تفسير هذين النوعين من الحكومات فحكومة الطؤارئ لاتعني ازاحة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة اخرى بديلة تدير البلاد بشكل انتقالي او مؤقت انما تعني ان تقوم الحكومة الحالية باعلان حالة الطؤارى لمدة زمنية معينه في حالات معينه واهمها الحرب والتدهور الامني والكوارث الطبيعية او انتشار الاوبئة، بما يهدد سيادة الدولة واراضيها وامنها الداخلي، ويتيح للحكومة ان تسير اعمالها وفقا لتحديات المرحلة وليس وفقا لمعايير الدستور والقانون وحقوق الانسان ، وفي الانظمة الديمقراطية تحتاج الحكومات اجازة السلطة التشريعية للمصادقة على قرارها ، وفي الحالة العراقية نصت المادة ٦١ تاسعا من الدستور النافذ، على صلاحيات السلطة التشريعية ومن ضمنها اعلان حالة الطوارئ والتي تكون وفق الشروط الاربعة الاتية :-

أ ـ الموافقة على اعلان الحرب وحالة الطوارئ بأغلبية الثلثين، بناء على طلبٍ مشترك من رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء.
ب ـ تُعلن حالة الطوارئ لمدة ثلاثين يوماً قابلة للتمديد، بالموافقةٍ عليها في كل مرة باغلبية بسيطة.
ج ـ يخول رئيس مجلس الوزراء الصلاحيات اللازمة التي تمكنه من ادارة شؤون البلاد اثناء مدة اعلان الحرب وحالة الطوارئ، وتنظم هذه الصلاحيات بقانونٍ، بما لا يتعارض مع الدستور.
د ـ يعرض رئيس مجلس الوزراء على مجلس النواب، الاجراءات المتخذة والنتائج، اثناء مدة اعلان الحرب وحالة الطوارئ، خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انتهائها.

العراق بحاجة الى تشريع قانون وفق المادة ٦١ تاسعا (ج) لتحديد ملامح واجراءات وسياقات حالة الطوارى لان قانون السلامة الوطنية الصادر عام ٢٠٠٤ ابان حكومة اياد علاوي لم يعد نافذا بعد نفاذ الدستور لعام ٢٠٠٥ ، فالعراق قد يحتاج اعلان حالة طوارى تقوم بها الحكومة الحالية تحقيقيا لمقتضيات المصلحة العليا للدولة بعد استكمال عمليات التحرير وفق الاشتراطات الدستورية اعلاه اذا ما كانت هنالك ضرورات امنية جزئيا في تلك المناطق لاتشمل المحافظات الامنة او اقليم كردستان وهذا جائزا وفيه سوابق تاريخية، لكن مايفهم من بعض التصريحات والدعوات ان المقصود ليس حالة طوارى بل حكومة طوارى جديدة رئيسها مما يستدعي تعطيل البرلمان والانتخابات وهذا الخيار تتبناه الادارة الامريكية صراحة اكثر من القوى السياسية التي تطالب به شكلا لا مضمونا…وهذا مستعبد لعدم وجود الية دستورية لتنفيذ مثل هكذا حكومة ولعدم وجود اصطفافات سياسية ترجح هذا الخيار ناهيك عن تعرضه لامتعاض شعبي اذا ماطرح.

الا اذا كان خيار الامر الواقع بمعنى سحب الثقة من الحكومة الحالية وتكليف حكومة مؤقته او مصغرة لادارة وتصريف شؤون الدولة وهذا لايتطابق مع حيثيات مفهوم حكومة الطوارى بل يعني استبدال حكومة باخرى رغم استبعاد امكانية اللجوء الى هذا الخيار سياسيا.

اما الطرح الاخر المتمثل بحكومة الانقاذ الوطني فهي ايضا معرض التباس عند النخب السياسية والقوى والاطراف الداعية لها فمثل هكذا حكومة يتم اللجوء اليها في حالات الفوضى والاضطراب وعدم الاستقرار العام لكل مفاصل الدولة السياسية والاجتماعية والامنية، او حينما يحصل هنالك انقلاب سياسي او عسكري ، اذ تقوم هذه الحكومة بعملية منع انهيار كيان الدولة او ايقاف اسباب الانحدار نحو الحرب الاهلية ،فحكومة الانقاذ هي احد اليات منع الحروب الاهلية تشكل من شخصيات مقبولة او مستولية، في ظل صراعات سياسية لايمكن ادارتها وتنعكس سلبا على الدولة..

وقد عالج ميثاق الامم المتحدة في الفصل السابع ظروف اعلان حكومة الانقاذ الوطني لكن لاننسى انها ستبقي الدولة تحت طائلة هذا البند وهذه دوامة جديدة لتقييد سيادة الدولة واستقرارها الخارجي وجعلها تحت الوصاية ناهيك عن مشاهد التعقيد الداخلي.

اذن حكومة الانقاذ الوطني اوحكومة الطؤاري تاتي وفق ظروف تعتمد على وضع الدستور على الرف وادارة الشان العام لتاسس وضع سياسي جديد وقد يكون ايضا دستور جديد وهذا ماارادته بعض القوى السياسية العراقية وحتى الامم المتحدة والادارة الامريكية قبل بعض سنوات، اذ طرحت حل كحكومة الانقاذ الوطني، والان يطرح خيار حكومة طوارئ للمرحلة المقبلة لتكون بديلا عن مشاهد الغموض فيما يخص الاستحقاقات الانتخابية المعطلة او ادارة المناطق المحررة والمتنازع عليها.

ويبدو ان المطلوب هو حكومة تقلص حجم الخلافات السياسية وتؤسس واحدية للسلطة التنفيذية لممارسة اعمالها عبر ايقاف مبدا الفصل بين السلطات نتيجة الظروف الاستثنائية التي يمر بها البلد التي تتطلب تقوية السلطة التنفيذية بمنحها سلطات خاصة بعضها من إختصاص السلطة التشريعية وبعضها من إختصاص السلطة القضائية وتحريرها من بعض القيود السياسية والنقد والطعن الموجه اليها، للحد اللازم لمجابهة تلك الاوضاع الإستثنائية الطارئة.

وقد تكون هنالك مصلحة في هذه الحيثيات ،ولكن في مثل هذه الحالة اكرر القول ان حكومة الطوارى يجب أن تخضع ممارستها للمراقبة الدولية في الامم المتحدة من خلال لجنة حقوق الانسان فيه وهذا يعيد عملية الوصاية الدولية التي مر بها العراق منذ عام ٢٠٠٣ ولغاية ٢٠١١، حينما كانت الولايات المتحدة الامريكية تحتل العراق، ونموذج حكومة الطوارى في العراق قد يأكد الوجود والنفوذ الفاعل والمهم لها فيه ويعيد مشهد رسم مسار الأحداث في المنطقة، بعد ان خسرت هذه الفرصة بعد خروجها من العراق، ويجعل دورها اساسي في صياغة احداث وسياسيات وتموضعات بما يخدم ضرورات المصالح الأمريكية ويفتح ابواب تحقيق مقتضيات الهيمنة الامريكية من جديد في المنطقة، ناهيك عن ارتباك المشهد الداخلي الذي قد يفرز حالة سياسية مغايرة لايمكن تخمين محاسنها وايجابياتها .