العراق يقوم بمسح جوي بالأقمار الصناعية لتراثه التاريخي

بغداد – الاعمار
سلّم وزير الثقافة الإيطاليّ داريو فرانجيسكيني نظيره العراقيّ فرياد رواندزي، في 13 أيّار/مايو التقرير النهائيّ للمسح الجويّ للآثار العراقيّة المدمّرة من قبل “داعش” في الموصل والمناطق الأخرى، والذي أعدّه فريق إيطاليّ متخصّص، بالتنسيق مع اليونسكو، ويحتوي أكثر من 500 صفحة، ليتزامن مع قرب انتهاء عمليّات تحرير الموصل التي ستتيح المجال أمام إعادة صيانة الآثار، التي ظلّت منذ عام 2014 في أيدي “داعش” مثل الحضر، والنمرود، ومتحف الموصل.
التقرير الذي يعكس اهتماماً عراقيّاً بإعادة تأهيل المعالم الأثريّة، يمثّل أيضاً ترجمة لوعود سابقة قطعتها المديرة العامّة لليونسكو إيرينا بوكوفا في 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2016، وفحواها أنّ “اليونسكو عازمة على تقييم الأضرار وحماية الآثار من أيّ عمليّات نهب وتدمير مستقبليّة، وأنّه لا بدّ من التعاون وتوظيف أفضل الخبرات الدوليّة، لما لذلك من أهميّة كبيرة بالنسبة إلى العراق والعالم أجمع”.
ويبدو اهتمام اليونسكو جليّاً في صورة عبر الأقمار الصناعيّة نشرتها على موقعها الرقميّ في عام 2016 لمدينة نمرود في نينوى التي يعود تاريخها إلى أكثر من 3300 سنة، وهي إحدى عواصم الإمبراطوريّة الآشوريّة، ويجري الاحتفاء بلوحاتها الجداريّة وآثارها حول العالم، في مجالات الأدب والنصوص المقدّسة، وهي مدرجة في قائمة العراق الأوّليّة للتراث العالميّ منذ عام 2000.
ولكي لا تظلّ نتائج المسح الجويّ حبراً على ورق، فإنّ مدير آثار نينوى فالح الشمري، يتحدّث في اتّصال مع “المونيتور” عن أنّ “التقرير الذي يوثّق معلومات التقطتها الأقمار الصناعيّة والطائرات الاستطلاعيّة من دون طيّار، للفترة من عام 2015 ولغاية شهر نيسان/أبريل 2017، بإشراف خبراء في مجال الآثار، يتضمّن تفاصيل دقيقة عن آثار نينوى المدمّرة، موثّقة بالصور، إضافة إلى تحليلات الخبراء لنسب الأضرار، وأساليب معالجتها”.
وكشف الشمري عن “تشكيل لجنة فنّيّة مشتركة بين العراق واليونسكو، تضمّ خبراء من الجانبين، سوف تشرف على مشروع استراتيجيّ لترميم الأماكن التاريخيّة في نينوى، بالاستناد إلى قواعد بيانات المسح الجويّ”. ومن الآليّات التي كشف عنها الشمري “استخدام تحليلات الصور، لمقارنة وضع المعلم الأثريّ قبل التدمير وبعده، عبر جهاز ليزر يجسّمه أمام العين، ويحدّد بالضبط الأجزاء المفقودة أو المتضرّرة”. ويحتوي التقرير وفق الشمري أيضاً على “الصورة القديمة التي التقطتها البعثات التنقيبيّة منذ ثلاثينيّات القرن الماضي، معزّزة بمعلومات ميدانيّة تمّ استقاؤها من الساكنين عند المناطق الأثريّة”.
وفي حين أكّد الشمري أنّ “المشروع له مراحل مقبلة أخرى سوف تستغرق سنوات من العمل”، فإنّه يؤكّد أيضاً أنّ “أولى الخطوات العمليّة هي زيارة بعثة اليونسكو مع خبراء عراقيّين موقع آشور التاريخيّ هذا الشهر، لغرض التقييم النهائيّ لكلفة عمليّة الصيانة”.
واستدرك الشمري: “بعد عمليّة إنجاز التقرير، فإنّ الخطوة الأولى، بحسب الاتّفاق مع الجانب الإيطاليّ واليونسكو، هو تنفيذ خطّة طوارئ، لتأهيل المناطق الأثريّة المدمّرة، وتتضمّن توفير الحماية الأمنيّة، ورفع الأنقاض، وإحصاء القطع المدمّرة والمفقودة، والشروع بصيانة عاجلة، واقتفاء أثر القطع المفقودة، بالتعاون مع شرطة الإنتربول، و الحكومات والجهّات الأثريّة العالميّة”. يضيف الشمري: “من نتائج هذه الجهود، البرنامج الذي أعدّته عالمة الآثار ماري شيبرسون في 26 أيّار/مايو 2017، لتدريب الموظّفين الأثريّين العراقيّين على آليّات صيانة الآثار، بتمويل من صندوق الحماية الثقافيّة”.
وفي إفاضة لمشروع إنقاذ الآثار العراقيّة، يكشف مقرّر لجنة الآثار البرلمانيّة النائب أياد الشمري لـ”المونيتور” عن أنّ “تقرير المسح الجويّ هو جزء من مشروع حماية استراتيجيّ لآثار العراق تبنّته الحكومة بالاستفادة من الخبرات الأجنبيّة”.
كما أوضح النائب الشمري أنّ “المسح الجويّ يتألّف من مرحلتين، الأولى هي المواقع الأثريّة في نينوى التي انتهى العمل فيها، فيما ستنطلق المرحلة الثانية منه هذا العام، و بإشراف خبراء اليونسكو أيضاً، ويغطّي كلّ المواقع الأثريّة في الوسط والجنوب”. واعتبر الشمري أنّ “استخدام التقنيّات الحديثة مثل المسح الضوئيّ الثلاثيّ الأبعاد، سوف يوثّق آثار العراق بصور واضحة ومجسّمة، ويسهّل طرق إعادة إعمارها وصيانتها، إذ يختصر الكثير من الوقت الذي تستهلكه المعاينة الميدانيّة”.
إلى ذلك، فإنّ النائب الشمري يدعو إلى “عدم الاكتفاء بمشروع تصوير المعالم الأثريّة المعروفة بل يدعو إلى استخدام تقنيّات الاستشعار عن بعد بواسطة الأقمار الصناعيّة لرصد المدن الأثريّة المختفية تحت الأرض، كما فعلت مصر ودول أخرى لأنّ ذلك سوف يوفّر الجهد والمال والوقت، ويحدّ من الحفر العشوائيّ غير المفيد، ويسهّل تحديد المعالم الأثريّة المدفونة بدقّة”.
إنّ أهمّ ما في المشروع، وفق وكيل وزير الثقافة لشؤون الآثار قيس حسين رشيد في تصريح إلى “المونيتور” أنّه “يوثّق بالمعلومة والصورة المجسّمة المواقع الأثريّة، لأنّ ذلك يوفّر مصدراً آمناً لانتشالها من جديد في حال تعرّضها إلى التخريب أو الضرر في مناطق ما زالت مضطربة أمنيّاً”.
ويضيف: “نعمل أيضاً على استحداث نسخ مطابقة للأصل للهياكل الأثريّة، لأنّ ذلك سوف يجعلها محفوظة في مكتبات متاحف العالم، ويزيد من الاهتمام العالميّ بتطويرها ويعرّف المنظّمات المهتمّة بالآثار بحجم الأضرار”.
ويعتقد رشيد أنّ “الوقت حان لاستخدام تقنيّات المسح الجويّ للمناطق الأثريّة، لأنّه يكشف مساحات واسعة بعشرات الكيلومترات، ويحدّد المعالم الأثريّة المدفونة بدقّة، بدلاً من الطرق القديمة الحاليّة التي تستهلك الجهد والوقت، إضافة إلى عدم دقّتها”.
إنّ المسح الجويّ مقروناً بجمع المعلومات من السكّان في المناطق الأثريّة، يوفّر قاعدة بيانات غنيّة، سوف تسهّل عمليّات حماية الآثار وصيانتها، غير أنّه من الضروريّ إيجاد كادر عراقيّ متخصّص يترجم المقترحات في التقرير إلى خطوات على أرض الواقع، بعد إجادة استخدام التقنيّات الحديثة في التوثيق والاستقصاء والصيانة. فضلاً عن ذلك، هناك حاجة ماسّة للتصوير الثلاثيّ الأبعاد لكلّ القطع الأثريّة الموجودة في متاحف العراق، حفاظاً عليها من الضياع حتّى وإن كانت بنسخ مقلّدة غير أصليّة.