ترامب ومحاولات إستعداء الإعلام الأمريكي

محمد السيد محسن
للمرة الثانية خلال وجوده كرئيسٍ منتخب ورسمي يتهجم الرئيس الامريكي دونالد ترامب على صحفيٍ يمثل وسيلة إعلام في مؤتمر صحفي وامام الأشهاد.
للوهلة الاولى يصدق قول البعض على ان ترامب يحاول ان يكون متغيراً قدر الإمكان عن سابقيه خصوصاً في ما يتعلق بحضوره امام الجمهور ، لكن المطلع لتاريخ الاعلام الامريكي وعلاقته مع زعيم البيت الابيض وسياسيات الولايات المتحدة الداخلية او الخارجية يجد ان ترامب لم يعِ اللعبة مع الاعلام وإنما هو ينساق بعنجهية فظّة دون ان يحسب حساباً لتأثير الرأي العام الامريكي والذي تحدد مساراته ونتائجه الماكنة الاعلامية الامريكية.
فالإعلام الامريكي “يغطي قارةً باكملها ” … ” وكل ولاية من الولايات الخمسين المشكلة للولايات المتحدة هي دولة قائمة بذاتها من خلال الحسبة الاعلامية”.
فالإعلام الامريكي مسؤول عن توفير المعلومة لما يزيد على ثلاثمائة مليون نسمة فقط داخل الولايات المتحدة ، لذا فان وسائل الاعلام الامريكية لها التأثير الكبير على مستوى قناعات المواطن في كل القضايا السياسية والاجتماعية ، الامر الذي يدركه ترامب كما يدركه كل مواطن أمريكي ولا يحتاج الى مزيد من المعرفة فكيف بمن دخل معترك السياسة قادما من باب التجارة والشهرة.
وأود هنا ان أشير الى ما قاله الرئيس الامريكي توماس جيفرسون وهو احد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة ودخل البيت الابيض من عام 1801 وخرج منه عام 1809. : “لو ترك الامر لي للاختيار بين حكومة بلا صحافة او صحافة بلا حكومة لاخترت الثانية دون تردد” وحين تعرض الى هجوم شرس من الصحافة كادت تفقده وجوده في البيت الابيض في اثناء سنة حكمه السابعة ظل متمسكاً برأيه وزاد عليه القول: الصحافة هي الشر الذي لا يمكن اصلاحه.
نحن هنا نتحدث عن الصحافة في تقنياتها البدائية ولم تكن صحافة الانترنت قد تأسست.
ويوجد في الولايات المتحدة اكثر من 1500 صحيفة يومية ، فيما تشير الأرقام الى ان الصحف الرئيسة ” واشنطن بوست، وول ستريت، نيويورك تايمز و يو اس تودي تطبع يوميا اكثر من 5 ملايين نسخة ، فيما يطبع اكثر من 55 مليون نسخة يومياً لصحف محليةٍ وهي تمثل مصدراً رئيساً لتلقي المعلومة لدى الأمريكيين ، وكل هذه الصحف لديها مواقع الكترونية تحظى بمتابعة تزيد على 200 مليون متابع يومياً.
وفي اطلالة تاريخية بسيطة نجد ان صحيفة الواشنطن بوست كانت أطاحت بالرئيس ريتشارد نيكسون “1969- 1974 ” حين تمكنت من اثارة العديد من القضايا والملفات الهامة مثل فضيحة ” ووتر غيت” عام 1972 ، وكانت استقالة نيكسون مجبراً سابقة في تاريخ السياسة الامريكية سببها الرئيس الماكنة الاعلامية الامريكية.
وذات الصحيفة مارست ضغطاً على الادارة الامريكية في حرب فيتنام وهي التي اجبرت الادارة الاعتراف بالهزيمة وانسحاب القوات الامريكية من فيتنام حينما كشفت عن ” أوراق البنتاغون السرية” ما بين أعوام 1965-1967 وكانت الواشنطن بوست تعرضت لضغوط هائلة لوقف نشر الأوراق لكنها لم تتنازل ومضت قدماً في الضغط على الحكومة.

نظرية التفاحة الفاسدة
وفِي الامس القريب ، وتحديداً عام 2004 استطاعت قناة سي بي اس الامريكية كشف فضيحة تعذيب سجناء عراقيين على الشرطة العسكرية الامريكية الموكلة بإدارة التحقيق في سجن ابو غريب العراقي تبعتها وثائق اضطلعت بكشفها صحيفة الواشنطن بوست عن مقتل 35 سجيناً عراقياً وافغانياً بأساليب تعذيب تضمنت عمليات اغتصاب وإساءات جنسية ونفسية.
الامر الذي دعا حكومة جورج بوش لإجراء تحقيق بعد اضافة الشرطة العسكرية الامريكية- وفق وثائق- 13 نوعاً جديداً من التعذيب خارج إطار القانون.
وتحدثت الوثائق وقتذاك عن التعذيب بالصفع على الوجه وترك السجناء والسجينات عراة لايام وإذلال السجناء على ارتداء ملابس داخلية نسائية والضغط على بعضهم لممارسة العادة السرية لأكثر من مرة باليوم الواحد وتصويرها والاحتفاظ باللقطات في هواتف الشرطة.
وكانت هذه صفعة أوقعت الحكومة الامريكية في مأزق اممي .. ومرة اخرى كان السبب في هذه الفضيحة ماكنة الاعلام الامريكية.
اليوم دخل ترامب التحدي مع الاعلام الامريكي بملء ارادته ، لكنه في الآونة الاخيرة ادرك انه يجب ان يرتب أولوياته ، فما كان منه الا ان صاخ لسماع نصيحة بعض مستشاريه للبدء بالتصعيد مع ايران , الامر الذي يسحب أصوات جمهوريين وديمقراطيين معه
بعض المتابعين يَرَوْن ان ترامب يحاول ان ينتهز فرصة تشتت الجهد الاعلامي مع ازدياد حالة الاهتمام بالصحافة الالكترونية الشخصية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ، حيث ان العالم الافتراضي” الالكتروني” على تكوين صورة شخصية أسرع من ” الاعلام التقليدي ” المرئي والمسموع والمكتوب والذي استفاد منه ترامب كثيراً في اثناء حملته للوصول الى البيت الابيض.
والجدير بالذكر ان من ضمن قرارات ترامب الجديدة ما نقلته قناة السي ان ان: ان القادمين للولايات المتحدة سيسألون عن نشاطهم في وسائل التواصل الاجتماعية ، كما قد يتم تفتيش هواتفهم ، الامر الذي يشير الى اعتماد ترامب “الكبير” بوسائل التواصل معتمداً على شبكة واسعة تابعة له وداعمة لقراراته لمحاولة التأثير على وجهة نظر اكثر من 40% من الأمريكيين الذين اتجهوا الى العالم الافتراضي تاركين الاعلام التقليدي ، ومع ذلك فقد أعلن موقع “تويتر” انه سيقف بالضد من قرارات ترامب الاخيرة وان الموقع سخر مبلغاً مالياً لمناهضة اي قرار لا يتناسب مع الديمقراطية الامريكية ، اما شركة “أبل” فأعلنت انها لم تصل الى ما هي عليه بدون وجود المهاجرين .
من جانب اخر فان الاعلام الامريكي انتبه الى شيوع الاعلام الافتراضي على حساب التقليدي ، فبدأ الكثير منها عملية التمازج بين الاعلامين – الافتراضي والتقليدي – وهذا ما يعطي الاعلام قوة للتأثير على سياسات دونالد ترامب ، فترى ان موقع تويتر وفيسبوك وغيرها باتت مصادر خبرية من خلال متابعة تصريحات السياسيين وعلى رأسهم دونالد ترامب الذي مازال يعتمد على صفحته الشخصية في موقع تويتر للإفصاح عن بعض آرائه ومواقفه ، ويشكك البعض بان ترامب سينتصر على الماكنة الاعلامية الامريكية التي تستند الى تاريخ مشاكسٍ تجاه البيت الابيض والحكومات الامريكية
ومثل ما ينظر الى العالم الافتراضي ووسائل الاعلام على انها وسيلة لتعزيز سلطة المساءلة التي تستغلها جماعات الضغط والمؤسسات الاجتماعية المعنية بتنمية الديمقراطية في الولايات المتحدة فان سياسات البيت الابيض الجديدة لابد لها ان تأخذ بنظر الاعتبار قوة هذه الوسائل فيما اذا تقاطعت مصالحها مع اي قرار يصدر من البيت الابيض
وقبل ايام بدأت حالة الامتعاض من قبل ترامب ازاء مواقف بعض وسائل الاعلام حيث رفعت سيدة البيت الابيض الجديدة ميلينا ترامب دعوى قضائية على موقع الديلي صحيفة ميل البريطانية لنشرها مقالات تسيء الى ماضيها ، ورد القاضي الدعوى في اول تحدٍ لم يجد نفعاً مع الاعلام.
اما النقطة التي تعزز موقف معارضي ترامب هي ان الأخير لا يمثل الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة وهما الحزب الجمهوري والديمقراطي ، وسياسيو هذين الحزبين يكفل لهما الدستور القدرة على تكبيل الرئيس استناداً الى مبادئ الديمقراطية وحيّزها التنفيذي خصوصاً اذا أخذ بنظر الاعتبار “الكارتيلات” الامريكية الداعمة سراً لبعض قضايا “المسكوت عنه” من قبيل الاتجار بهجرة البشر والمخدرات وبعض القضايا التجارية ، هؤلاء لن يعبروا عن غضبهم جهاراً وإنما يحيكون خططاً للقضاء على ترامب من خلال الفضائح والتواصل مع الاعلام لحشد الرأي العام ضد الرئيس.