وأخيرًا.. مات أتاتورك

‎محمد السيد محسن
‎الاتاتوركية في تركيا لا تعني النظام العلماني فقط وانما تعني مجموعة معطيات اسسها كمال اتاتورك وحرص على ابقائها مع فعاليتها ومن اهمها النظام البرلماني والاتجاه نحو اوربا واعطاء جيران الجنوب الظهر وعدم الاهتمام بهم، والتشبث بالتقاليد الغربية على حساب التقالد الشرقية التي حرص على انهائها لكن العمر لم يسعفه فهو من سن لباس الطربوش وشجع المرأة التركية على ترك الحجاب لكنه بذات اللحظة سعى لابقاء الدين كمكمل انساني منعزلا عن الحياة السياسية وربما كان له هامش من امس بالحياة الاجتماعية التركية والتقاليد التي راهن كمال اتاتورك على انها ستنسلخ بمرور الاعوام.
‎اما اهم ما تركه اتاتورك فقد اوصى للجيش التركي على ان يكون قيّماً على الاتاتوركية وجعله المقياس والمقيّم لسيرة الاتاتوركية ، والا ، فله الكلمة الفصل في تغيير من يعتقد انه تجاوز الخطوط الحمراء التي سنها منذ قرابة القرن من تاسيس الجمهورية التركية العلمانية الحديثة
‎ولم يخش اتاتورك من اشاعة الديمقراطية في ظل هذه الخطوط الحمراء فأقرَّ قانونا للانتخابات وكان عام 1945 اول عام تشهد فيه تركيا انتخابات برلمانية ليكون البرلمان التركي هو الذي يقود البلاد.
‎اليوم نرى ان ما تركه كمال اتاتورك قد تقرّض شيئا فشيئا وعلى مدى سيطرة الاسلاميين الاتراك على السلطة في البلاد , وعلى الرغم من ان هؤلاء الاسلاميين لم يتجرؤا بعد على رفض العلمانية الاتاتوركية المؤسسة الا ان الاخيرة فقدت الكثير من مزاياها وقوتها وتاثيرها مع مرور الزمن فالعسكر التركي ما عادت له الكلمة الفصل في تقييم مسيرة الاتاتوركية خصوصا وان الانقلاب الاخير قد اطاح بآخر هيبة للعسكر التركي , والبرلمان ايضا فقد هيبته كقائد حقيقي للدولة التركية بعد نجاح اسلاميي السلطة التركية في تحويل نظام البلاد من برلماني الى رئاسي. ما يعني ان اتاتورك القادم للبلاد سينزع ثوب الاتاتوركية وسيلبس لباس السلطنة التي مات الاول وهو مقتنع بانه قضى عليها وتركها للشعب التركي مادة عرض في المتاحف والاثار .
‎اليوم مات اتاتورك وولد سلطان جديد لتركيا , مات اتاتورك لانه ماعاد يمتلك من يعيده للحياة من عسكر وكتلة برلمانية قادرة على ثني اسلاميي تركيا من التقدم نحو اهدافهم.
التعديلات الجديدة التي اقرت بنسبة فوزٍ ضئيلة جعلت الاتحاد الأوربي يحذر اردوغان من التحديات الجديدة التي ستواجهه في البلاد وقال بيان اللجنة الخارجية في الاتحاد الأوربي ان تعديلات جوهرية مثل التي اقرت في تركيا تستدعي نسبة فوزٍ مريحة ، في إشارة لعدم الرضا الأوربي من التعديلات التي سعى اليها اردوغان.
وعند مناقشة بعض التعديلات فان اول ما تبدو من اشكالية هي عدم التوازن بين السلطات ، الامر الذي من شأنه ان يقلق المنظمات الدولية من وضع الحريات ومجريات الأوضاع القضائية والقانونية في تركيا.
ومثال ذلك فان التعديلات الجديدة جعلت من رئيس الجمهورية من حقّه ان يختار رئيس الوزراء دون استحصال موافقة البرلمان وتعيين القضاة دون موافقة او تصويت البرلمان كذلك وباعتباره القائد العام للقوات المسلحة فمن حقه اعلان الحرب وإذا لم يوافق البرلمان فمن حقه حل البرلمان وإعلان حالة الطوارئ في البلاد لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر قابلة للتمديد مرتين.
هذا يعني ان رئيس الجمهورية يتمتع الان بسلطات واسعة تصادر عمل البرلمان في كثير من الأمور كذلك فانه بحكم موقعه وصلاحياته فانه بات يمكنه التحكم بالسلطة القضائية والتشريعية والتنفيذية وهذه هي الخطورة التي دق ناقوس خطرها الاتحاد الأوربي … وبذلك فان سلطاناً ذَا صلاحيات مطلقة ولد في تركيا .. بعد اعلان موت اتاتورك.