للنصر آباء كثر
محمد شريف ابو ميسم
الدعوة للفرح والاحتفال بالنصر الذي تحقق على دولة الخرافة، حق موجه لكل العراقيين وبلا استثناء، بيد ان الفخر عائد للامهات اللواتي قدمن فلذات اكبادهن قرابين لهذا النصر، فيما الزهو حكرا على الدموع الممزوجة بآهات الحبيبات اللواتي انتظرن فرسانهن قبل ان يعودوا محمولين على نعش الوداع الاخير ملتحفين راية العراق عشقا ابديا.
ولصدارة الاحتفال فرح للأطفال الذين لم يستوعبوا بعد ان رحيل آبائهم كان ثمنا لهذا الانتصار، الاطفال الذين لبسوا حلة اليتم بمحض ارادة آبائهم، لهم ان يفرحوا ويستبشروا بمستقبل لا يسرقه الاغراب والمنعمون بالرفاه في أزمنة الحرب والسلم.
الزهو والفخر والعزة والمهابة للسواعد السمر، والوجوه التي تعفرت بتراب هذه الارض وصلّت عليها شمس الموصل وتكريت والانبار والفلوجة وجرف النصر والمدن التي باعها سماسرة المنصات ولصوص السياسة. الفخر كل الفخر للأصابع التي لامسها البرد والثلج ولم تفارق الزناد وللشيبات التي روتها دموع الشيوخ وهم يودعون فلذاتهم واحفادهم الى المثوى الاخير.
وبعد .. ماذا بعد؟.. تنحوا جانبا ، فنحن نعلم ان للنصر آباء كثيرين مثلما نعلم بمن صنع الهزيمة اليتيمة.. تلك الهزيمة اللقيطة أريد لها ان تأتي بالخراب الى الحبيبة بغداد فتصدى لها المغرمون بحب بغداد والموصل والرمادي والبصرة، تصدى لها المؤمنون بوحدة هذه البلاد، ثم جاؤوا بالنصر وهذه هي الحكاية.
اذن رتبوا اوراقكم واقيموا المؤتمرات للتصالح مع سماسرة الفتنة الذين أدوا وظائفهم باكمل وجه ليكون العراق غارقا في اليأس والخراب والديون وهدر الاموال، وابدئوا مرحلة جديدة للعملية السياسية اعيدوا فيها عملية تقاسم السلطة على وفق ما يراه اسيادكم، ولكن لا تسرقوا فرحة النصر وانتم تتقاسمون المغانم على أشلاء البيوت والمدن المهدمة، تذكروا ان أربعة عشر عاما من تقطيع أوصال الأبرياء وضياع الأموال وتدمير البنية التحتية وشيوع الفساد وتكبيل البلاد بالمديونية كان ثمنا كبيرا للحرية والخلاص من الدكتاتورية فلا تجعلوه ثمنا آيلا للضياع عبر ترسيخ وجود الامبراطوريات الحزبية والاقطاعيات الرأسمالية التي نضجت من المال العام، اذ ليس من المنطق ولا من القيم التي عرفها الانسان على هذه الارض ان تصادر البلاد ومعها المستقبل لصالح الرساميل التي يراد لها ان تحكم البلاد وتدير السياسة والاقتصاد والتشكيلات المجتمعية بعد هذا الكم من التضحيات.
اتركوا قليلا من الامل وفسحة من الوطن لابناء وزوجات الشهداء والامهات الثكالى والشيوخ المفجوعين بابنائهم واحفادهم والمقاتلين الذين صانوا الأرض والعرض، ولا تجعلوا البلاد مصادرة لاصحاب الرساميل واللصوص والمفسدين، اذ ليس من المنطق ان تخصخص جميع وظائف الدولة فيكون الانسان عرضة لسطوة المال وفساد السلطة. ليس من الاخلاق ان تنتهك كرامة الانسان جريا وراء لقمة العيش، وليس من الوطنية والامانة ان يترك لرأس المال الاجنبي ادارة شؤون الفعاليات الحياتية دون ضابط ودون ضمانات لحقوق ابناء هذا البلد.
ان جل ما نطالب به ايها السادة ان تحمى ثروتنا النفطية من السرقة بدعوى فتح باب الاستثمار في القطاع النفطي، فالخلط بات واضحا بين مفهومي الخصخصة والاستثمار في عموم القطاعات بهدف بيع الملكية العامة للقطاع الخاص دون اضافة طاقات انتاجية جديدة وبما لا يضمن حقوق العراقيين في المال العام، وهذا ما نخشى ان يكون في القطاع النفطي، وبناء عليه فاننا نطالب بتأسيس شركة نفط وطنية عراقية عبر تشريع قانون “شركة النفط الوطنية العراقية” الذي يضمن لجميع العراقيين حقوقهم في ملكية النفط بموجب المادتين 111 و112 من الدستور قبل اجراء اي تعديل دستوري ضمن صفقة المصالحة المزمع ابرامها مع سماسرة السياسة، فيكون بموجب هذا القانون لكل عراقي الحق في أسهم هذه الشركة، التي لا يمكن بيعها الا للعراقيين، ونطالب بتشريع قانون لصندوق الاجيال يضمن حقوق الاجيال المقبلة في الثروة النفطية ويمنع خصخصة النفط خارج حدود ملكية الشعب العراقي، وبهذا نكون قد وفينا جزءا من دين برقبتنا للشهداء بما يضمن حياة كريمة لابنائهم وعوائلهم، وبخلافه فان توزيع الهدايا والملابس في الاعياد على اطفال الشهداء من هذا السياسي او ذاك، لا يعدو ان يكون تسويق للخيانة بحلة انسانية وباسلوب دعائي رخيص.