السياسة الضريبية والكمركية من منظور الاقتصاد الكلي

د. سلام سميسم
في الشهر الخامس من عام 2003 تم إقرار “العطلة الضريبية”، والتي كان الهدف منها إنعاش الاقتصاد العراقي والخروج من فترة الركود التي نشأت بسبب الحرب وتخبطات القرارات السياسية والاقتصادية. كما أُريد لهذا القرار وتزامنه مع قرار فتح الأبواب للتجارة بعد عقد أو يزيد من الحصار الاقتصادي ومن نظام متشدد أصلاً في أساليبه الحمائية، أُريد لهذين القرارين ملء الفراغ السلعي وتعزيز الطلب الاستهلاكي لتلك المرحلة.

الآن، وبعد مضي اثنتي عشر عاماً، ما زلنا نواجه تحدياتٍ اقتصادية تتمثل بغياب نظام حقيقي للإيرادات العامة، وغياب في الأسس الفكرية لإقرار نظام ضريبي واقعي يخدم واقع الاقتصاد العراقي في تنويع الموارد المالية من جهة، ويدعم مفاهيم المالية العامة المُعززة لعملية الانتقال إلى اقتصاد السوق.

هنالك اتجاهان في الوقت الحاضر:

1- اتجاه يؤكد على أن المجازفة الكبرى تأتي بفوائد كبيرة، وأن الحكومة لديها من الرصيد السياسي ما يكفي لتستثمره في أسرع وقت قبل أن تبدأ حملة مضادة لفكرتها في الاصلاح.

2- واتجاه آخر لا يتفق أصحابه مع وجهة نظر الحكومة وهم ممن يثيرون اللغط والنقاش حول ضريبة السلع والخدمات أو الرسوم الكمركية ومدى تأثيرها على المستوى المعاشي لذوي الدخول المنخفضة.

ومن جهتنا نثير هذا السؤال المهم:

إذا كانت هنالك نية جادة في وضع نظام ضريبي عادل، وتوزيع الأعباء على الموطنين حسب مقدرتهم، فهل ستعالج الحكومة قضايا ضريبية مهمة مثل الإعفاءات المعطاة للمستثمرين في القطاع العقاري أو التخفيضات على أرباح رأس المال أو فرض ضرائب على الدخول المرتفعة.

من المعروف أن لكل ضريبة أثر ما على النشاط الاقتصادي للدولة وبذلك لا يمكن فرض الضرائب لمجرد تحصيل الأموال حيث أن الضريبة قد تكون ذات حصيلة عالية، كالضرائب على الدخل والتركات، ولكن أيضاً ذات آثارٍ اقتصادية غير مرغوبة بل وضارة بالنشاط الاقتصادي للدولة.

وهذا يجعلنا أمام تحدٍ حقيقي وهو:

ضرورة تحديد الهدف، ومن ثم مواجهته بشجاعة. ولا أعتقد بأنني في وضع أستطيع معه رسم الهدف المباشر والصريح، لأن ذلك أصلاً متروك لصانع القرار السياسي. ولكن بودي عرض ما يلي:

الغاية:
العامة —————- زيادة الإيرادات العامة
والخاصة ————– زيادة الموارد الضريبية

الأهداف:
1- زيادة كمية الأموال المستحصلة من الرسوم والضرائب.
2- المحافظة، قدر الإمكان، على مستويات مقبولة اقتصادياً من الطلب الفعّال Effective Demand والذي يكفل تحريك عجلة الاقتصاد من جهة + التحكم بمستويات التضخم المسيطر عليه نقدياً واقتصادياً.
3- تحقيق سياسات التحفيز الاقتصادي لمزيد من الإنتاج المحلي لتحريك عجلة الاقتصاد وتقليل مستويات البطالة في المجتمع العراقي من خلال مراعاة نسب الضرائب على الاستثمار، والإنتاج، ورؤوس الأموال، والأرباح.

4- تقليل كلفة الإدارة الضريبية أو، بتعبير آخر، رفع الكفاءة الاقتصادية للجهاز الإداري المسؤول عن الضريبة والكمارك.

الوسائل:

كلية:
1- الخروج من دائرة المفهوم الفرنسي للقانون الضريبي إلى دائرة المفهوم الانكلوسكسوني للقوانين الضريبية.
2- توحيد النظم الضريبية في العراق.
3- الربط الاليكتروني بين وزارة المالية بمفاصلها كافة ودوائر الضريبة والكمارك تحديداً + وزارة الداخلية + البنك المركزي + هيئة الاستثمار + هيئة النزاهة + مستشارية الأمن الوطني.

والمهم الارتقاء بمفهوم السداد الضريبي إلى مستوى التطبيق الاقتصادي للمواطنة.

4- الارتقاء النوعي بالأداء الوظيفي للجهاز الإداري الضريبي:
أ‌- ترشيد الكفاءة الإنتاجية لموظفي الهيئة العامة للضرائب.
ب‌- حوسبة الهيئة العامة للضرائب “كليا”.
ت‌- الحد من الترهل الإداري في الهيئة العامة للضرائب.
ث‌- اتباع أنظمة ادارية رقابية داخلية متشددة مع الدوائر الضريبية.
ج‌- التطوير المستمر للجهاز الوظيفي ومن ثم إعادة صياغة نظم الإدارة البشرية المتوائم مع تغيرات المرحلة الجديدة.

5- فيما يخص الرسوم الكمركية ودخول العراق:
يستلزم الأمر تطبيق الشفافية العالية في هذا المجال، إذ تم التعرّف من خلال البحث الشخصي إلى أن المنافذ الحدودية تخضع لأصحاب النفوذ في مجالس تلك المحافظات التي تقع فيها هذه المنافذ، وبالتالي فإن الإيرادات المستحصلة لا تذهب إلى السلطات العامة بل إلى جهات خاصة وهذا هدر كبير. كما أنه يمكن السيطرة على هذه الإيرادات وربطها بتمويل المحافظات من خلال مبدأ اللامركزية ونقل الصلاحيات وتعديلات قانون 21 للمحافظات غير المرتبطة بإقليم.
وللحديث بقية إن شاء الله.

المصدر: شبكة الاقتصاديين العراقيين