آباء الانتصار.. وأم الهزيمة!

عبد الحليم الرهيمي
بينما يعيش العراقيون هذه الايام في اجواء الانتصار بتحرير مدينة الموصل بكل ما تحمله من رمزية ودلالات تمهيدا للانتصار النهائي بتحرير نينوى بالكامل وكل الأراضي العراقية التي دنستها مجموعات داعش الارهابية، عبرت المرجعية الدينية في النجف الأشرف بدورها عن احتفائها بهذا الانتصار واشادتها الكبيرة بالجنود المجهولين والمعلومين الذين صنعوا هذا الانتصار، وقد حرصت في الوقت نفسه على ان توضح وتشير الى امر سلبي وخطير أخذ يرافق الاعلان عن هذا الانتصار وهو ادعاء الكثيرين بصناعته وابوته دون وجه
حق.
ففي خطبة صلاة يوم الجمعة الماضي التي تلاها في الصحن الحسيني بكربلاء أشار وأكد بشكل لافت معتمد المرجعية الشيخ عبد المهدي الكربلائي الى (ان اصحاب الملحمة العظيمة للانتصار التي سطروها بدمائهم وتضحياتهم الكبيرة هم الأحق من الآخرين برفع راية النصر النهائي الذي سيتم انجازه قريباً..).
لقد تساءل كثيرون، ربما، عن الأسباب والدوافع التي دعت المرجعية للاشارة والتأكيد على الآباء الحقيقيين للانتصار هو قيام العديد من السياسيين وحتى بعض القادة العسكريين الى تقديم انفسهم باعتبارهم هم من صنعوا النصر، بينما ذهب آخرون الى اعتبار (أنفاس) بعض الجهات غير العراقية على صناعة الانتصار والتي (لولاها لما بقي العراق)! والواقع، ان اشارة معتمد المرجعية الدينية وتأكيده على من هو أحق من الآخرين برفع راية النصر، إنما يذكر بالقول المأثور، بأن للنصر عشرات او مئات الآباء بينما تبقى الهزيمة يتيمة لا أحد يتحمل مسؤوليتها، لكن مع ذلك يمكن هنا إضافة القول اذا لم يكن من آباء للهزيمة فلا احد يستطيع ان ينكر الأم التي أنجبتها، خاصة اذا كانت أم
الهزائم.
واذا كان ما عبرت عنه مرجعية السيد السيستاني بلسان معتمدها الشيخ الكربلائي هو اشارة لما يجري في اللحظة الراهنة من محاولات البعض سرقة النصر ممن هم احق برفع رايته وادعاء ابوته، فقد عمد خطيب الجمعية الماضية في مسجد الكوفة السيد مهند الموسوي معتمد السيد مقتدى الصدر الى التذكير بآباء الهزيمة او أمها والمطالبة بفتح تحقيق بأسباب الدمار والحرب وسقوط المدن مضيفاً القول: (فليست ارواح ابنائنا رخيصة وليست الدماء هينة..).
وهنا يبدو واضحاً ان تذكير السيد مهند الموسوي، في سياق اشادته بالانتصار وابراز اهميته وتعظيمه والأشارة الى التضحيات والعطاء والدماء الزكية التي سالت من اجل التحرير والانتصار انما اراد الاشارة الى فداحة وعظم الهزيمة التي لحقت بنا والتي لم تقتصر على احتلال نحو نصف الاراضي العراقية وانما اسفرت ايضاً عن قتل عشرات الالاف من ابناء شعبنا وارهاب وتعذيب وسبي واهانة الملايين من سكان المناطق المحتلة، وسرقة مواردها ونفطها وآثارها فضلاً عن سيطرتها على السلاح والذخيرة العائدة للجيش التي قدرت قيمته باكثر من 25 مليار
دولار.
ان التذكير بفداحة وهول جريمة الغزو والاحتلال لمساحات واسعة من الارض العراقية، وكذلك التذكير بما نجم عن هذا الغزو وتداعياته على مختلف الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية، انما يشير ويبرز بعض الدلالات التي ينطوي عليها الانتصار وعلى موقعه في وجدان الشعب العراقي وتاريخه المعاصر، ويشير ويبرز في الوقت نفسه اهمية وعي وادراك، بكل اجلال، دور اولئك الذين قدموا بسخاء اغلى التضحيات من الشهداء والجرحى والمعاناة واليتم والترمل واعتبارهم هم الأحق برفع راية النصر، ولذا يصبح من الوفاء ان يدرك الجميع ان هؤلاء العراقيين الذين هبوا للدفاع عن بغداد وعن العراق ولتحرير المناطق التي احتلها داعش، ليس من اجل ان يصبحوا نواباً او وزراء او مسؤولين كبار يحتلون اعلى المناصب في الدولة، انما هبوا وتصدوا للاحتلال وقدموا أعلى التضحيات، انما من اجل هدف اسمى واكبر.. هدف الدفاع عن سيادة واستقلال العراق، هدف تحقيق حكم عادل ورشيد ينعم فيه العراقيون بالحرية والكرامة والمساواة والعدالة بدلاً من اللامساواة واللاعدالة والاذلال والمهانة. واذا كان على غالبية الساسة من القوى المتنفذة أدراك وتقدير ذلك قبل الاحتلال وخلاله، فانها الآن، وبعد التحرير والانتصار، بل على جميع العراقيين اولاً واساساً: التأمل والتفكير ملياً بما يجب ان يكون عليه العراق وحالة شعبه ما بعد التحرير وهزيمة داعش، بدءاً من دعوة الآباء المدعين بصناعة النصر الكف عن ذلك، مروراً بفتح ملف الاحتلال وجريمة سبايكر، ذلك ان معرفة ام الهزيمة في حزيران 2014 وحتى آبائها ومحاسبتهم، هي اوسمة الشرف والتخليد لمن هم احق برفع راية النصر، وان اهلهم وذويهم هم الاحق – قبل الآخرين – بالدعوة لمحاسبة اولئك الذين تسببوا او تواطأوا في وقوع الاحتلال، بل ومعرفة ومحاسبة حتى الذين قصروا في منع وقوع الهزيمة والاحتلال ومنع وقوع افرازاته المباشرة وهي جريمة سبايكر المروعة.