ضرورة دعم أسعار المنتجات الزراعية في العراق
محمد رضا عباس
يعتبر القطاع الزراعي من اكبر القطاعات الاقتصادية المستخدمة للأيدي العاملة في العراق، حيث ان هذ القطاع يوفر فرص العمل وفرص العيش لما لا يقل عن 25% من سكان العراق، ولكن بكل اسف ان هذا القطاع لم يحظى بالرعاية الحكومية بالشكل الذي يستحقه. وحتى أكون منصف، فان جميع الحكومات العراقية دعمت هذا القطاع بكافة الاشكال، ولكن بشكل متقطع وحسب ما تفتضيه الحاجة الانية، من دون النظر الى موقعه الاستراتيجي في التنمية الاقتصادية. وهكذا فان ما يعاني الفلاح العراقي من فقر واضطراره لترك الأرض جاء متوقعا ومحسوبا، حيث ان الفلاح هو انسان يريد العيش الكريم حاله مثل حال الاخرين. فمن غير المعقول ان يعمل المزارع ومعه عائلته على محصول طيلة أيام السنة، لا يغطي دخلة اجرة نقل المحصول الى سوق المدينة. هذه الحالة تكررت هذا العام، حيث نقلت الاخبار ان بعض مزارعي الطماطم اضطروا الى رمي انتاجهم وسط الطرق من اجل ائتلافها، وبعد يومين تكرر الحادث مع مزارعي الخيار. انها طريقة حضارية اتبعها المزارع العراقي لتسجيل رفضه واحتجاجه ضد سياسة بلده الزراعية. بدون شك، ارقى من تظاهرات أساتذة جامعة النهرين عندما حاولوا قطع الطرق الرئيسية في بغداد بسبب فرض ضريبة 3% على دخلهم الشهري، واكثر حضارية من أولئك الذين هجموا على مجلس النواب وضربوا النواب بحجة تحسين الخدمات.
المزارع العراقي، وخاصة زراع الفاكهة والخضر، اصبحوا يعانون من غياب البنى التحتية لقطاع الزراعة وانفتاح البلد الغير معقول على استيرادات المنتجات الزراعية من الدول المجاورة والغير مجاورة. وعليه، فان امام الحكومة العراقية أولا منع استيرادات جميع المنتجات الزراعية التي من الممكن زراعتها في العراق. وهنا لا أقول ان يمنع العراق استيراد فاكهة المانجو والاناناس، ولكن ادعوا الحكومة منع استيراد الطماطم والخيار وبقية الخضروات والتي من الممكن زراعتها في العراق. ان غياب البنى التحتية للزراعة في العراق مثل الطرق الحديثة التي تربط المدن الزراعية مع المدن الكبرى، المخازن المثلجة، وسائل شحن الإنتاج، والري والحراثة، سيجعل من كلفة الإنتاج الزراعي عالية، قياسا بالدول المجاورة، واقل تنافسا. وعليه، ومن اجل تشجيع الفلاح العراقي البقاء في ارضه، والاستمرار في الإنتاج، وبدخل يغطي حاجاته السنوية، على الدولة دعم منتجاته ماليا. هذا الاجراء هو ليس بدعة تغضب الله وتدفع قائلها الى حفرة جهنم، وانما اجراء تقوم به جميع الدول المتحضرة من اجل تامين دخل سنوي للمزارعين. في الولايات المتحدة الامريكية على سبيل المثال، يستلم مزارعو الرز، القطن، الذرة، الحنطة، وفول الصويا ما يعادل 20 مليار دولار سنويا من اجل تشجيع المزارعين لهذه المنتوجات الاستراتيجية الاستمرار والبقاء في مزارعهم. الحكومة الامريكية تدفع لمزارعي هذه المواد قيمة انخفاض أسعارها في السوق عن السعر الأدنى لها. على سبيل المثال، فلوكان سعر الأدنى لطن الحنطة الواحد هو300 دولار، ولكن بسبب كثرة الإنتاج منها، انخفض سعر الطن الواحد الى 250 دولارا، فان الحكومة الامريكية تدفع الفرق وهو50 دولارا الى المزارع. هذا الاجراء تستخدمه كل دول أوربا والصين واليابان.
في الهند، يستلم مزارعو25 منتج زراعي مساعدات حكومية او دعم مالي ( دعم أسعار المنتجات الزراعية). بموجب هذا البرنامج، يقوم المختصون بتقدير كلفة كل انتاج، التغيرات في أسعار عوامل الإنتاج مثل لبذور والاسمدة والمبيدات والمياه، كمية الطلب المتوقع، كمية العرض المتوقع منه، كمية المستوردة من هذه المنتوجات، حصة الصادرات من هذه المنتجات، الأسعار العالمية، كلفة تسويق المنتجات الزراعية، وتأثير دعم الأسعار على معدل الأسعار والاقتصاد الوطني. البرنامج اثبت نجاحه منذ تأسيسه ويعتبر مصدر مهم من مصادر تامين الإنتاج الزراعي للبلد.
هناك مكاسب جمة للعراق في استخدام برنامج دعم أسعار المنتجات الزراعية ومنها: تشجيع المزارع العراقي على البقاء في ارضه وعدم ترك مهنته من اجل مهنة أخرى. البرنامج يؤمن توفر الإنتاج الزراعي والامن الغذائي، يشجع الفلاح على التوسع في الإنتاج والاستثمار، تقليل الاعتماد على المنتجات الزراعية الأجنبية وحفظ العملة الأجنبية، والاهم من كل ما تقدم هوان دعم أسعار المنتوجات الزراعية يعتبر ضمان لدخل سنوي جيد للفلاحين، الى درجة يمنعه هجر ارضه، وإضافة ضغوط جديدة على المدينة، والتي أصبحت تعاني من نقص خطير في الخدمات بسبب الكثافة السكانية فيه.