حفيدة جلال الدين الرومي وجهًا لوجه مع الإسلاموفوبيا

بغداد – الإعمار
“تعالَ .. تعالَ، لا يهم من أنتَ، ولا إلى أي طريقِ تنتهي، تعالَ .. لا يهم من تكون” بهذه الكلمات ذاع صيت جلال الدين الرومي، منذ القرن الثالث عشر الميلادي، وحتى اليوم، ليصبح أحد أبرز أعلام التصوف الفلسفي في التاريخ الإسلامي.
وعلى نهج الرومي الذي لمع نجمه شرقا وغربا، لتبنيه رسالة عالمية تخاطب كافة الحضارات، يبرُز فيها الإنسان وحسب، أطلقت حفيدته من الجيل الـ21، جايلين شانر، مشروعا يحمل تعاليم الجد.
ويُشكّل المشروع درعا في وجه ظواهر التمييز والتفرقة، التي يعاني منها عالمنا اليوم.
كانت البداية عندما تعرضت شانر لحادث اضطهاد في مدرستها الثانوية (The Hill School) بولاية بنسلفانيا شرقي الولايات المتحدة، كونها تدين بالإسلام، ما أعاد إلى ذهنها كلمات جدها الرومي عن ضرورة عدم التمييز بين البشر.
وتحت تأثير الواقعة، استغرقت الحفيدة في التفكير لعمل شئ يضع حدا لهذه الممارسات العنصرية.
أطلقت شانر ناديا طلابيا في مدرستها، ببنسلفانيا، يحمل اسم “الإنسان أولا/ Human First”، مأخوذ من أحد أبيات شعر جدها، للتوعية بخطورة الأفكار المسبقة التي يحملونها تجاه فئات مختلفة من البشر.
وعن مبادرتها، قالت شانر: “جُن جنوني، لدى علمي أن أسرة صديقتي في غرفتي بالسكن الطلابي، شعرت بخوف كبير عند علمها أن ابنتهم تشارك غرفتها مع فتاة تركية تدين بالإسلام، وطلبت من إدارة المدرسة نقلها من الغرفة”.
وفي مقابلة مع الأناضول، خلال قضاء إجازتها في تركيا، أضافت شانر أن “ظاهرة الإسلاموفوبيا ساعدت في ترسيخ كثير من التصورات السلبية بحق المسلمين في الغرب، والوضع يتفاقم يوما تلو الآخر، ولم أكن قادرة على مواصلة السكوت بعد ما جرى”.

أولوية احترام الإنسان
وأشارت شانر إلى أن جدها تناول في كتبه وأشعاره قبل مئات السنين، قضايا مشابهة لما عاشته، وحرص على دعوة الناس إلى اعطاء الأولوية إلى احترام الإنسان لكونه إنسان، والتعامل بمساواة تجاه جميع الأفراد.
وعن فعاليات النادي، لفتت إلى أنها بدأت مع عدد من أصدقائها المؤمنين بأفكار الرومي، الحديث مع الطلاب وتغيير كافة التصورات المسبقة الراسخة في أذهانهم عن الإسلام.
وبالفعل نظمت العديد من الفعاليات لـ”تقوية أواصر الأخوة بين الطلاب دون تمييز، ما دفع كثيرين إلى الانضمام للنادي”.
والمفارقة أن صديقتها في الغرفة، “صارت الآن ضمن أعضاء النادي”.
وكان الرومي مثالا عظيما للتسامح في عصره، متّبعا تعاليم الدين الإسلامي، وكان يحيطه أشخاص يعتنقون أديانا ومللا مختلفة، لكنه ضرب مثالا خلده التاريخ في التعايش معهم جميعا.

الشباب ومحاربة التمييز
شانر شددت أيضا على الدور المهم الذي يجب أن يقوم به الشباب لمحاربة ظواهر التمييز والتفرقة في مجتمعاتهم، قائلة “علينا فتح أبوابنا أمام الجميع، دون إهمال الوقوف إلى جانب من يسعون لجلب الضرر للمجتمع، عن طريق شغلهم بتطوير وتغيير أنفسهم”.
وتابعت: “تلقينا دورات تدريبية من مختصين في عدة جامعات، لإتقان حسن التعامل مع مختلف الأفراد، وطرق التواصل معهم، وثنيهم عن خلق مشكلات اجتماعية”.
وأوضحت أن الدورات التي يوفرها النادي في مجالات العزف والتصوير والتنمية البشرية نجحت في تحقيق نجاحات كبيرة على مستوى الأفراد.

أفكار غير موثوقة
من جانبها، أعربت الطالبة أليزا يلدرم عن بالغ سعادتها لانضمامها إلى نادي الإنسان أولا، بقولها “ساعدتنا شانر في أن نعي خطورة كثير من الأفكار التي نرددها في المجتمع دون أن نلقي بالا إلى الأضرار الكبيرة التي تصنعها”.
وأضافت “تلقينا تدريبات عن كيفية توجيه الأفراد إلى خدمة المجتمع، ونسعى حاليا إلى مشاركة ما تعلمناه مع غيرنا”.
أمّا توناي أيكان، فقالت إنها علمت بأخبار النادي من موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، وإنها لم تفوت كثيرا من الوقت من أجل المشاركة به.
وولد الرومي، في مدينة بلخ بخراسان (شمال شرق إيران حاليا)، في 30 أيلول/سبتمبر 1207، ولقب بسلطان العارفين لما له من سعة في المعرفة والعلم.
واستقر الرومي في مدينة قونية وسط الأناضول، حتى وفاته في 17 كانون الأول/ديسمبر 1273، بعد أن تنقل طالبا العلم في عدد من المدن، من أهمها دمشق.
وترك سلطان العارفين تراثا غنيا ما بين منظوم ومنثور تناول فيه العديد من المسائل الإنسانية والصوفية والفلسفية والأدبية، وتُرجم كثير منه إلى غالبية لغات العالم.