«قمة العشرين».. خلافات وأجندات متضاربة

ليونيد بيرشيدسكي
في قمة مجموعة العشرين لعام 2017، سوف تكون القضايا المتعلقة بالخلافات بين الدول المشاركة أكثر أهمية من البحث في عقد الاتفاقيات الجديدة. وهذا ما يجعل من هذه الدورة التي انطلقت أشغالها الخميس الماضي في مدينة هامبورج الألمانية تبدو وكأنها حقل ألغام بالنسبة للمضيفة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
وسبق لميركل أن تجاوزت العديد من المطبّات السياسية في الاجتماعات السابقة التي انعقدت على أعلى المستويات. وسوف تكون هذه المرة أكثر اهتماماً باحتواء الخلافات والمواقف المتشددة، من اهتمامها بطرح أي نوع من الأجندات العامة. ولهذا السبب يتوقع أن يتم الحكم على هذه الدورة من خلال تداول الأمور التي لن تتحقق، بدلاً من البحث في الأمور التي يمكن تحقيقها.
وسوف أتعرض فيما يلي للأمور غير المتوقعة، وعلى رأسها عدم احتمال تحقيق أي اختراق فيما يتعلق بالخلاف حول اتفاقيات التجارة الدولية. ورغم أن ميركل قالت مؤخراً إن من بين أهم الأهداف التي تتوخاها من عقد قمة العشرين «إرسال إشارة تأييد واضحة للأسواق الحرّة ومعارضة السلوكيات التجارية الحمائية والالتزام الصارم بالإبقاء على النظام التجاري متعدد الأطراف»، فإنه يتعذر تحقيق هذه الأهداف حالياً بسبب مواقف الرئيس ترامب الذي عبّر مراراً عن التزام لا يتزعزع بتطبيق السياسة الحمائية في التجارة من خلال وعود أطلقها أثناء حملته الانتخابية، وهو الذي أثار أيضاً مشكلة ميلان كفّة الفائض التجاري مع الولايات المتحدة لصالح ألمانيا. ومعظم الرؤساء الذين يحضرون القمة يقفون في صفّ الأسواق المفتوحة، بما يجعل حلفاء ترامب وكأنهم «خارج قاعة الاجتماع». ويحدث كل هذا في وقت تدفق فيه أكثر من 8 آلاف متظاهر إلى شوارع هامبورج للاحتجاج على عقد الاجتماع، وسجلت بعض الاشتباكات بينهم وبين أكثر من 20 ألف من رجال الشرطة.
ويوم الخميس، قال وزير الخارجية الألماني سيجمار جابرييل إن حرباً تجارية وشيكة يمكن أن تندلع بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وناشد كل الأطراف للتشاور فيما بينها لمنع وقوعها. لكنّهم تحادثوا بالفعل فيما بينهم قبل عقد الاجتماع دون أن يتوصلوا إلى أي نتيجة تُذكر.
ويتركز الهدف الأول لميركل على منع اندلاع الخلافات ذات الطابع العدائي في القمة، وخاصة بعد نشر الأخبار المتعلقة بالعوائد التجارية لألمانيا وبقية دول الاتحاد الأوروبي والتي تتوارد من بروكسل، وليس من هامبورج. ويوم الخميس الماضي، قام رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي بزيارة إلى مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل، لتوقيع اتفاقية سياسية تتضمن حلولاً لمعظم المشاكل التي تعيق التوصل إلى صفقة تجارية ضخمة بين الاتحاد الأوروبي واليابان. ويُذكر في هذا الصدد أن المفاوضات المتعلقة بهذه الاتفاقية بقيت تراوح مكانها لبضع سنوات، لكنها تسارعت الآن على خلفية إعلان ترامب انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية الشراكة عبر الهادئ.
وليس من المنتظر أيضاً أن تحقق قمة هامبورج أي تقدم على مستوى تضييق شقّة الخلاف بين الولايات المتحدة وبقية الأطراف العالمية فيما يتعلق بالتصدي لظاهرة التغير المناخي. ومنذ إعلان الولايات المتحدة عن انسحابها من اتفاقية باريس، شددت الدول الكبرى المشتركة فيها على تأكيد التزامها بالاتفاقية. لكن، ومن دون موافقة الولايات المتحدة على الانضمام إليها، سوف يكون من العسير تصوّر ما يمكن أن يكون عليه البيان الختامي لقادة مجموعة العشرين والذي سيشتركون في وضع صيغته النهائية.
وإذ أكتبُ هذا المقال ساعات قبل لقاء الرئيسين الأميركي ترامب والروسي بوتين، فإنه ليس من المنتظر أن يسفر اجتماعهما عن أي نتائج مهمة. وهذه المرة، وصل بوتين إلى هامبورج قادماً من بولندا، وهي إحدى الدول الأوروبية القليلة التي يلقى فيها الترحيب الحار بعد أن أصبحت تضم حكومة شعبوية وصلت إلى السلطة باستخدام نفس الخطاب الذي وصل به هو ذاته إلى السلطة. لكنّ البولنديين فضلوا عقد الصداقة الحقيقية مع ترامب والاحتفاظ بصداقة تقليدية مع بوتين عندما أعلنوا نيتهم شراء نظام صواريخ باتريوت الدفاعية الأميركية وعزمهم على عقد اتفاقية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة لشراء الغاز الطبيعي المسال والانتهاء من اعتمادهم على الصادرات الروسية من مصادر الطاقة. وبما أن زيادة فرص العمل وتحقيق المكاسب التجارية هي من أهم القضايا التي تشغل بال الرئيس ترامب، فإن بوتين لا يستطيع تقديم مثل هذه العروض المشجعة للحكومة البولندية.
وإلى ذلك فعلى ترامب أن يحرص على عدم إظهار الجانب الليّن أو المفرط في التسامح مع روسيا بسبب الانقسام الحزبي الداخلي حول هذا الموضوع والانتقادات التي يمكن أن يوجهها له البعض لو فعل ذلك. ومن الطبيعي أن يتابع المحللون وخبراء السياسة اجتماع الرئيسين ترامب وبوتين، أمس الجمعة، بطريقة «عين الصقر» لتحريّ أي مؤشرات يمكن أن تعرّض ترامب للنقد إذا أظهر أي مشاعر ودية حيال بوتين. وتوقع البعض من ترامب، الذي عرف عنه عدم الاهتمام بالصور التي تنقلها القنوات التلفزيونية، أن يستخدم كل قوته في الضغط عند مصافحة بوتين، وفي المقابل كان متوقعاً كذلك من بوتين، الذي عرفت عنه ميوله الشخصية الحديدية، أن يفعل كل ما بوسعه للظهور بمظهر الرجل الصلب والإنسان الغامض الذي يصعب اكتشاف ما يدور في رأسه. وأشك في أن يبذل بوتين أي محاولة لتملّق ترامب، بما يلقي على الاجتماع مظهراً متوتراً. وربما يبدي بوتين تصلّبه الشديد وعدم استعداده للانحراف قيد أنملة عن مواقفه وخاصة فيما يتعلق بالأزمتين السورية والأوكرانية، وهما القضيتان اللتان من المرجح الخوض في تفاصيلهما خلال الاجتماع. وربما يبادر بوتين إلى تشجيع ترامب بأسلوب منمّق على تعميق خلافه مع أوروبا في قضايا التجارة والمناخ، لأن تصدّع العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا هو من أهم الأهداف التي يسعى بوتين لتحقيقها.
وتضمنت أجندة قمة العشرين مواضيع مختلفة، منها موقف ترامب المضاد للهجرة، وظروف وإملاءات الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي (والتي ستقدم إلى رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي)، وحالة الإحباط التي تنتاب رئيس وزراء إيطاليا باولو جينتيلوني بسبب المشاكل التي تواجهها حكومته في التعاطي مع التدفق المتزايد للمهاجرين الأفارقة إلى إيطاليا عبر البحر الأبيض المتوسط، ومشاعر المرارة التي تنتاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يرى أن الاتحاد الأوروبي لم يلتزم بتعهداته لتركيا نظير مساعدتها في حل مشكلة الهجرة عامي 2015 و2016. ويذكر أيضاً أن الاجتماع الذي يضم وزراء داخلية دول الاتحاد الأوروبي والذي انعقد في العاصمة الإستونية «تاين» يومي الخميس والجمعة، لم يكن منتظراً منه أن يحقق إلا تقدماً ضئيلاً في معالجة القضايا المطروحة.
وبالنسبة لمواقف الأوروبيين بشكل عام، فقد آثروا اتخاذ موقف صارم ضد سياسات ترامب وواصلوا في الوقت ذاته ضغوطهم السياسية على بوتين. إلا أن مشكلتهم الأساسية تكمن في اختلاف الأجندات التي يتمسك بها بعض القادة الغربيين. ويقف الرئيس الصيني تشي جينبينج في معسكر الاتحاد الأوروبي ذاته، بتأييده للتجارة الحرة والتصدي لظاهرة التغير المناخي. ويبدو ترامب غير سعيد بالمحاولات غير الكافية التي يقوم بها الرئيس «تشي» لثني كوريا الشمالية عن جهودها لاستكمال برنامجها النووي. وحاول رئيس الوزراء الهندي «ناريندرا مودي» أن يظهر خلال القمة وكأنه صديق الجميع، ويبدو من الواضح أنه يفضل تجنّب أي خلاف مع ترامب وبوتين.