حنين جدّوع.. قصة نجاح مختلفة تروم إستنساخها في العراق

بغداد – الإعمار:
أسعى دائما أن اكون خارج نطاق التفكير الجمعي. تلك كانت أولى كلمات حنين جدوع العراقية التي ارادت لنفسها ان تكون هي, لا كما يراها الآخرون, لأنها أعرَف بمكامن قدرتها على ان تكون ناجحة على الرغم من حجم المعاناة الكبير الذي يزاحم النساء في عراق ما بعد 2003.

-بطاقة شخصية
ولدت حنين جدّوع في مدينة ريدنك – بريطانيا، عام 1985، وتخرجت من جامعة بغداد/ كلية الصيدلة عام 2008، ومارست مهنتها في العراق، وعملت كصيدلانية في مستشفى الطفل المركزي في بغداد (2009 – 2010)، وكذلك في مركز الرعاية الصحية الأولية في بغداد (2012 – 2014)، والعمل في مكتب ديالى العلمي لتجارة الادوية والمستلزمات الطبية في الاردن كمسؤولة للتقييم والمتابعة من عام 2015 حتى الآن. وارتأت ان تبني مستقبلها بما تفرضه عليها أحلامها فعملت مع شركة (ENGELHARD) الألمانية في العراق (2010 – 2014). كان واجبها مع الشركة مُنصَب بالعمل كمندوبة علمية، وكان دورها هو الترويج واقناع الطبيب بالأدوية، التي تنتجها الشركة وتسويقها؛ حيث طورت حنين من عملها في هذا المجال بالانضمام الى دورات خاصة تعنى بفنون التفاوض والإقناع ومهارات البيع والتواصل الاجتماعي. نجاحها في عملها دفعها لتطوير مهاراتها فانضمت للعمل في مؤسسة (شبكة شباب 21)؛ وهي شبكة اقليمية غير ربحية تعنى بنشر ثقافة النجاح والازدهار وتعزيز الريادة المجتمعية بين الشباب، وذلك لتطوير نفسها واكتساب المزيد من المهارات.

شاهد
بالفيديوغرافيك.. الدكتور ماجد الساعدي (سيرة وإنجازات)

-آفاق واسعة وإستنساخ للتجربة
كان الانضمام الى هذه المؤسسة –شبكة شباب 21- هو العمل الذي فتح لها افاقاً واسعةً خصوصاً وإنها كانت متميزة في عملها بمقتضى خبرتها التي عززتها بالتخصص العملي في مجالات عدة. سألتها عن الفائدة التي حصلت عليها من خلال دورات فنون الإقناع والتفاوض والذكاء العاطفي وانعكاس ذلك على حياتها الشخصية وحياتها مع أقربائها والاخرين، فأجابتني: “الدورات التخصصية التي دخلتها كانت بمثابة مغامرة وَلهو وتضييع وقت من قبل البعض الذي أستهجن صرف بعض الأموال على اختصاصات غير مطروقة. في ذلك الوقت في العراق ولا يجدها البعض مهمة او ذات قيمة، لكنها بالحقيقة أفادتني كثيراً على المستوى الشخصي؛ حيث أصبحت قادرة على ضبط النفس في المواقف العصيبة واكثر مرونة، واكثر تقبّلًا للآخر بغض النظر عن انتمائه، جنسه، مستواه الاجتماعي، فضلاً عن قناعتي بأنني لن أكون امرأة مبرمجة حسب تفسيرات قوانين الدين والمجتمع وخصوصًا الامور التي بدأت تفسر بشكل خاطئ في مجتمعنا، وفق أهواء المتنفذين من الذكور. أنا الآن امرأة تخلصت من البرمجة الدينية السلبية واستطعت ان أتحمل الصدمة الطائفية التي مر بها العراق بعد ٢٠٠٣. كنت أسعى ان لا أكون ضحية التفكير الجمعي، وقررت حين كنت في العراق، ان اطور نفسي في التنمية الذاتية فدخلت الى أكاديمية مفتوحة، اي أني أسجل لتلقي العلوم عبر الشبكة العنكبوتية واحضر المحاضرات عبر العالم الافتراضي، وكانت قناعات الأساتذة من المتخصصين الأجانب والعرب متناقضة”.
كنت صريحاً مع حنين بان العناوين التي تختارها للمعاهد والأكاديميات التي تطور أداءها من خلالها، لم أكن أؤمن بها. وبالتالي فان الثمن لن يكون سهلاً في القناعة أولاً من نجاعة ما أود ان ادخله وما أدرسه. أجابت حنين بابتسامة هادئةٍ: “الثمن كان باهظاً حقاً وليس من السهولة ان يغير الإنسان قناعات سنين طوال عاشها في حياته. نعم؛ الثمن باهظ جداً لكنني ربحت نفسي واستطعت ان انقل تجربتي الى المقربين وآخرين. في الحقيقة يمكن ان اجمل ما اتجهت اليه بأنني استطعت ان أغيِّر من بعض قناعاتي مع المحافظة على السياق العام من شخصيتي العقائدية والمجتمعية المتوارثة ولكن بفهم اكثر عمقاً واكثر انسانية”.

إقرأ أيضًا
قصَّة نجاح: شذى الزهيري.. إمرأة اقتحمت عالم رجال الأعمال بنجاح

-تحرير الآخرين من عقدة الخوف والنقص
سألتها: هل أنتِ متمردة؟ ابتسمت مرة اخرى وقالت: “انا لست متمردة، بل بالعكس انا اساعد الآخرين على التحرر من عقدة الخوف والنقص معاً، كما أدعمهم على استحصال الثقة من مكامن انفسهم ودواخلهم. انا لست متمردة حين أُغيِّر بعض المفاهيم التي كبَّلتني فترة ليست بالقليلة، وحدَّت من قدراتي ومن عطائي في الحياة، وكنت حريصة على ان انقل تجربتي للآخرين المقربين فكان نجاحهم انتصاراً لي”.

-الاستثمار في الانسان
إذن ما اهم الأشياء التي تعلمتها حنين من خلال هذه “المغامرة”؟ تلك هي -والكلام لحنين- ان الاستثمار الأكبر هو في داخل الإنسان.. وما زالت حنين تعمل في مؤسسة شباب ٢١ كعضو ضمن الفريق التنفيذي مع شباب اخرين، وهي المرأة الوحيدة مع ثلاثة شبّان آخرين؛ حيث تقوم مع زملائها بتنظيم دورات مجانية وفق برامج تدريبية حديثة ومطورة مثل التخطيط الاستراتيجي وإدارة المبادرات المجتمعية وإعداد مدربين ناجحين وغيرها، ويستهدفون الشباب المغتربين الذي من الممكن ان يتم الاستثمار بشخصياتهم كي يكونوا قادة المجتمع ومميزين عند عودتهم لبلدهم.

-تجربتي مع منتدى الإعمار
وبعد هذا الحديث العملي في جزئه، والفلسفي في كنهه، لابد لنا ان نتعرف عما وجدته حنين جدوع في مشروع “منتدى الإعمار العراقي” والذي تحمست هي حسب قولها للإنضمام إليه. تقول حنين: “الفرد العراقي ما زال غير مهيأ داخليا للتغيير ومستصعب جدا التخلص من تأثيرات ورواسب النكبات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، التي مرَّ بها على مدى السنوات الاخيرة، لأنه شخص من الممكن وصفه بالسلبي والهش من الداخل بسبب وعود الحكومة الكاذبة، وازدياد سوء الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية، لذا فإنا أرى ان ثورة الاصلاح الحقيقي تنبع من داخل الفرد نفسه. نحن ننشر الوعي ونحاول ان نصحح بعض المفاهيم الخاطئة ومن ضمنها مفهوم العمل والوطن والوقت والعلاقة مع الله, العلاقة بين الرجل والمرأة… إلخ، لذلك حينما اطَّلَعْت على مشروع منتدى الإعمار وجدتني قادرة على المشاركة من خلال خبرتي في نشر المحبة والسلام والتثقيف باتجاه ان الالتزام الديني يختلف عن الالتزام الإنساني؛ حيث ان دور الإنسان هو إعمار هذه الأرض وليس بالضرورة من خلال دين معين، فالبناء من سمة الانسان ومتى ما تخلص الفرد من الإيغو الشيعية والإيغو السنية اصبح قادرا على الإنتاج والابداع. ومن خلال إعمارنا لهذه الارض نرفع قيمتنا الانسانية في الحياة ونكون خلفاء حقيقيين لله على الارض. نستطيع باختصار ان نهيئ نفسية الفرد العراقي من خلال تصحيحنا لمفاهيم الحياة الرئيسية كي يتمكن من الاندماج وتقبل اي نجاح وتقدم لبلده وبالتزامن مع عمل زملائي وأساتذتنا وكل في مجال عمله واختصاصه”.
وتضيف حنين: “كذلك يمكنني ان أكون عاملة في مجال المرأة والطفل لان المرأة العراقية فقدت الثقة بنفسها قبل ان تفقدها بالمجتمع الذي لم ينصفها كما انها لم تتح لها فرصة بناء الذات ونحن نحاول ان نعطيها الأمل من خلال عدم تفويت فرصة بناء نفسها أولًا ومن ثم النهوض مع المجتمع لان المرأة ليست نصف المجتمع بل هي روح الحياة”.

إقرأ أيضًا
قصة نجاح.. البروفسور مروان العقيدي: لدينا مشروع يجعل من التكنلوجيا غذاءً وطنيًا ووسيلة إدارية ناجحة

-فاعلة في مشروعنا
إذن ما هي الدعوة التي من الممكن ان تتبناها حنين جدّوع كي تكون فاعلة من خلال مشروع منتدى الإعمار العراقي؟ كان هذا سؤالي قبل الأخير لحنين، فكانت إجابتها على النحو التالي: “انا لن ادخل تحدٍ مع عقيدة دينية معينة، برأيي الشخصي فكل الاديان بالحقيقة تدعو الى المحبة والتسامح والاستقامة، اما ما وصل الينا فهذه قراءات تخص رجال الدين وتلبي مصالحهم الشخصية ولا تعبر عن جوهر الاديان الحقيقي، بالإضافة الى انه هناك فئة ايجابية واعية بالمجتمع ادركت خطورة الطائفية الدينية على مجتمعنا، وان كل انواع الضرر لحق بكلتي الطائفتين واننا سنوات رجعنا للخلف بدلا من التقدم واللحاق بركب التطور، لذا املنا كبير بهذه الفئة ونحن نتبنى وندعو الى تطبيق المنهج الانساني الصادق في كل مجالات الحياه المختلفة”.
وفِي سؤالي الأخير أردت ان اعرف ان حنين ومن خلال مشروعها هل تحتاج الى دعم حزبي او مجتمعي متمثل برجال دين او مفكرين اجتماعين لديهم القدرة على تحليل شخصية المرأة العراقية؟ فقالت: “في وسط التشدد الديني لابد ان يكون هناك مجموعة من رجال الدين المعتدلين ولهم تأثيرهم بالمجتمع. نحن نؤمن بالتغيير الجذري ولا يتقاطع عملنا مع اي تثقيف حكومي او مجتمعي مادام هدفنا واحد وينصب بمصلحة المرأة والمجتمع العراقي الجديد”.