هذه هي الخصخصة

قد نتفق ان الخصخصة هي نافذة للخلاص من الفساد، ومنعطف لتصحيح مسار الشركات العامة الخاسرة ونحن ازاء تحول كلي نحو اقتصاد السوق، وملاذا للحكومات من ضغط العجز المالي في الموازنات العامة، ولكننا نختلف حتما بشأن تفسير الاسباب التي كانت تقف وراء هذا الفساد الذي جعل بعض الشركات العامة خاسرة وبالتالي تصدرها لجداول اعادة
الهيكلة.
وقد نتفق ان ثمة قيودا بنيوية على وفق ما نحن ماضون نحوه، قد تحول دون قدرة القطاع العام على
التدخل.
وان مقاومة هذا التغيير البنيوي سيؤدي الى الركود ولمزيد من التراجع في ظل شروط المؤسسات المالية الدولية وتحول جارف في منظومة التبادلات والتعاملات الدولية وهيمنة الشركات التي تحكم العالم على اقتصاديات دول الشرق التابعة
لها. فضلا عن ان ترك وظائف الدولة لصالح السوق سيعفي الحكومات من التزامات تحد من توزيع النفقات في الموازنة العامة وتمنحها حرية المناورة في
المناقلات.
ولكننا نختلف بشأن حجم الانخراط في منظومة السوق، اذ لا نتفق بشأن خصخصة وظائف الدولة الاساسية التي يترتب عليها تهديد لحقوق المواطن التي كفلها
الدستور. وهذا الامر محط اختلاف حتى في منظومة الدولة الراسمالية التي صنعت دولة الرفاه في دول الاتحاد
الاوروبي.
فبعد زوال مبررات قيام دولة الرفاه التي كانت تستخدم لاثبات جدوى النظام الراسمالي أمام انخفاض مستوى المخرجات الخدمية للنظم
الاشتراكية.
باتت مطالب اليمين في محاربة دولة الرفاه تصطدم بتمسك القوى الوسطية قبل اليسار في دول الاتحاد الاوروبي بوظائف الدولة وعدم ترك هذه الوظائف لصالح السوق، اذ لم يعد مفهوم “وحشية راس المال” حكرا على العقل اليساري
وحسب، فقد ادرك الرأسماليون انفسهم انهم عرضة لفكي الرساميل الكبيرة ما لم يكن للدولة دور في تنظيم علاقات السوق والابقاء على الوظائف الاساسية التي لا تجيدها السوق دون تعظيم للربحية وتقليل للتكاليف على حساب المنافسة المتكافئة والعدالة الاجتماعية وسلامة البيئة
والمجتمع.
وعلى هذا الاساس بدأت الاصوات تتعالى اليوم في دول الاتحاد الاوروبي بوصفها نماذج لدولة الرفاه التي سعت عموم دول العالم للالتحاق بها فوقعت في فخ هيمنة الشركات التي تدعوا الى ليبرالية السوق على وفق الحرية المطلقة لراس المال والملكية الخاصة في غياب تام للملكية
العامة،
نعم الخصخصة الآن باتت مطلبا لدى الكثيرين لتصحيح واقع الشركات الخاسرة وتفعيل الانتاج، دون التفكير جديا بمعالجة واقع الفساد واسباب تراجع
الانتاج.