الموصل أم الربيعين.. مدينة سُرق منها حُلِيّها لكن لا تزال تنبض بالحياة

بغداد – الاعمار :
أكثر ما يُعرف عن مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى شمالي العراق، هو احتضانها لجميع أطياف الشعب العرقية والدينية، فعلى أرضها يعيش عرب وكرد وتركمان من المسلمين والمسيحيين والإيزيديين والشبك.

الموصل، التي استعادتها القوات العراقية قبل أيام من تنظيم “داعش”، هي ثاني أكبر مدن العراق سكانا بعد العاصمة بغداد، حيث يسكنها، قبل سيطرة “داعش”، قرابة ثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة، معظمهم من العرب المسلمين ، بحسب إحصاءات لوزارة التخطيط العراقية.

نزح من هؤلاء أكثر من مليون نسمة، عند سيطرة “داعش” على المدينة، في 10 يونيو/حزيران 2014، ثم نزح حوالي 920 آخرين، خلال الحملة العسكرية العراقية لاستعادة المدينة، والتي استمرت قرابة تسعة أشهر.

** نينوى العظمى

الموصل تبعد عن بغداد مسافة 405 كيلومترات، وتشتهر بالتجارة، كونها حلقة وصل بين العراق وكل من تركيا وسوريا، ويتحدث سكانها اللهجة الموصلية القريبة من اللهجة الشمالية في سوريا.

وفق أحمد قاسم الجمعة، أستاذ التاريخ في كلية الآداب بجامعة الموصل، فإن “مدينة نينوى (مدينة أثرية قديمة قرب الموصل على الضفة الشرقية لنهر دجلة) ذات تاريخ عريق، يرجع إلى خمسة آلاف، وقد سكنها الآشوريون، وأصبحت عاصمتهم من القرن 11 وحتى عام 611 قبل الميلاد، ثم سقطت نينوى العظمى بعد الآشوريين بيد الميديين والكلدانيين، الذين كانوا في أوج قوتهم وعنفوانهم”.

الجمعة، يوضح أن “نينوى والمناطق المحيطة بها كانت مأهولة بالشعب الآشوري، الذي خلف للإنسانية حضارة كبيرة مشهودة.. الآشوريون اعتنقوا المسيحية عند ظهورها، فكانت نينوى بلاد الرهبان والمدارس اللاهوتية، واستقطبت العديد من الدارسين والباحثين عن الديانة المسيحية”.

ويضيف أن “العرب المسلمون (في عهد الخليفة عمر بن الخطاب) فتحوا نينوى (التي كانت تحت سيطرة الفرس الساسانيين)، ولقبوها باسم الموصل؛ لأنها كانت تصل بين الشام وخورستان (بلاد الشمس بالكردية)، التي فتحوها بعد ذلك”.

كما سماها العرب بـ”الحدباء”، نسبة إلى مئذنة محدبة في الجامع النوري الكبير الأثري، وأيضا لتحدب مسار نهر دجلة فيها، وسميت كذلك بـ”أم الربيعين”، لأن فصل الخريف فيها يكون ربيعيا يتميز بنقاء هوائه.

** تلال وهضاب وجبال

محافظة نينوى تقع في الجزء الشمالي الغربي من العراق، وتبلغ مساحتها 32 ألف و308 كيلومترات مربعة، تحدها من الشمال محافظة دهوك، ومن الجنوب محافظة صلاح الدين، ومن الشرق محافظة التأميم وأربيل، ومن الغرب سوريا.

يخترق نهر دجلة نينوى بشكل متموج من الشمال إلى الجنوب، ويقسمها إلى قسمين متساويين تقريبا، وتقسم التضاريس المحافظة إلى ثلاثة اقسام: المنطقة الجبلية، والتلال، والمنطقة المتموجة والهضاب.

ويختلف مناخ المحافظة باختلاف تضاريسها السطحية، حيث تتراوح درجات الحرارة في فصل الشتاء عامة بين 5 إلى 8 درجات مئية، مقابل ما بين 30 و46 درجة في الصيف.

** مدينة الضباط والمقاومة

وعلى مدى أربعة قرون، بين عامي 1516 و1918، كانت الموصل تحت حكم الدولة العثمانية، فتارة تابعة لولايتي ديار بكر وبغداد، وتارة أخرى ولاية قائمة بذاتها.

بعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، باتت الموصل جزءا من دولة وليدة اسمها العراق رأت النور بموجب اتفاقية “سايكس بيكو”، في 16 مايو/أيار 1916.

وفي ثمانينيات القرن الماضي، خلال حكم الرئيس الراحل صدام حسين (1979 – 2003)، كانت الموصل تعرف بمدينة الضباط المنخرطين في الجيش، وبينهم آنذاك رئيس الأركان، عبد الجبار شنشل، ووزير الدفاع الأسبق، سلطان هاشم أحمد.

وبعد غزو الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها للعراق، عام 2003، وقيام الحاكم المدني الأمريكي آنذاك، بول بريمر، بحل الجيش العراقي، انضم الآلاف من الضباط العراقيين إلى صفوف المقاومين للقوات الأمريكية داخل الموصل، قبل أن يسيطر تنظيم القاعدة على هذه المقاومة ويحولها إلى صفوفه.

وكانت الموصل من أخطر المحافظات على القوات الأمريكية، حيث وجدت فيها مقاومة شرسة من قبل فصائل مسلحة عديدة.

** في قبضة “داعش”

بعد عام 2003، شكا الكثير من سكان الموصل من إهمال الحكومة العراقية لها، وتوتر الأوضاع الأمنية فيها، وتضييق الخناق عليهم، بموجب ما قالوا إنها سياسات اتبعتها حكومات بغداد.

وبسهولة، سقطت الموصل في قبضة تنظيم “داعش”، يوم 10 يونيو/حزيران 2014، بعد انسحاب قوات الجيش والشرطة العراقية منها أمام بضعة مئات من مسلحي التنظيم.

وبدعم من التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، بدأت القوات العراقية، في 17 أكتوبر/ تشرين أول الماضي، حملة عسكرية لاستعادة الموصل، بمشاركة نحو 100 ألف من القوات العراقية وفصائل شيعية مسلحة وقوات الإقليم الكردي، المعروفة باسم “البيشمركة”.

هذه القوات استعادت كامل الشطر الشرقي من المدينة، في 24 يناير/ كانون ثانٍ الماضي، ثم بدأت، في 19 فبراير/ شباط حملة استعادة الشطر الغربي، إلى أن أعلن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، في العاشر من الشهر الجاري، استعادة السيطرة على كامل المدينة، التي كانت المعقل الرئيسي للتنظيم في العراق.

** ليست هي الموصل

لكن الموصل بعد انهيار سيطرة “داعش” ليست هي الموصل قبل حكم التنظيم، إذ تغيرت الكثير من ملامح المدينة، واختفت إلى الأبد معالم بارزة كانت تُزينها.

فقبل حكم “داعش”، كان من أبرز معالم المدينة: جامع النبى يونس، المبني فوق كنيسة القديس يونان، على التلة نفسها في الجانب الشرقي، فضلا عن جامع قبر النبى شيت، الذي اكتشف عام 1647 بالجانب الشرقي.

كذلك كان يوجد في الموصل الجامع الكبير، المعروف باسم جامع النوري، ومئذنته الأثرية المعروفة بالحدباء، التي كانت تعلو منطقة الموصل القديمة في الجانب الغربي من المدينة.

جميع تلك المعالم حولتها متفجرات “داعش” إلى أطلال، فضلا عن أن آلة الحرب أتت على أجزاء واسعة من المدينة، فحولتها إلى ركام، ليفتح سكان الموصل أعينهم على مدينة سُرق منها حُلِيّها، الذي لا يقدر بثمن، لكنها بقيت تنبض بالحياة.