الحكومة متهمة بتدهوره.. العراق يتجرع فوضى نظامه التعليمي

بغداد – الاعمار :

تسبب افتقار العراق إلى معايير جودة التعليم العالمي، بعدم تأهله للدخول ضمن إطار تقييم مؤشر جودة التعليم العالمي لعامي 2016 و2017، الذي اشتمل على 140 دولة في جميع أنحاء العالم.
يأتي تقييم المؤشر لجودة التعليم وترتيب الدول فيه استناداً إلى مؤشر التنافسية العالمي، الذي حدده المنتدى الاقتصادي العالمي، ويجري احتساب درجات المؤشر عن طريق جمع البيانات العامة والخاصة المتعلقة بنحو (12) فئة أساسية.
وتضم هذه الفئات: المؤسسات، والابتكار، وبيئة الاقتصاد الكلي، والصحة والتعليم الأساسي، والتعليم الجامعي والتدريب، وكفاءة أسواق السلع، وكفاءة سوق العمل، وتطوير سوق المال، والجاهزية التكنولوجية، وحجم السوق، وتطور الأعمال والابتكار، وهذه المجالات كلها متدهورة في العراق إلى حد فاق الوصف، بحسب تقييمات مختصين.
صباح التميمي، النائبة في البرلمان العراقي، وهي تدريسية لمادة العلوم السياسية في “جامعة النهرين” بالعاصمة، ترى أن انهيار التعليم في العراق يعود لعدة أسباب، منها أن “ظروف العراق وحروبه المتكررة كان لها تأثير مباشر على هجرة أفضل أعضاء الفريق التدريسي، وهروبهم نحو البلدان العربية أو الغربية”.
وأشارت إلى أن تعرضهم لتهديدات، وعدم حمايتهم من قبل الحكومة، كان السبب في هروبهم، وفق قولها.
عضو مجلس النواب العراقي تؤكد، أن الحكومة العراقية فسحت المجال لإنشاء 43 جامعة وكلية أهلية تجارية منذ عام 2003، فضلاً عن كليات إقليم كردستان.
وبينت أن سبب افتتاح هذه الكليات والجامعات يعود لكون “أصحابها سياسيين ولديهم حصص من الأرباح المالية”، متهمة الحكومة العراقية بـ”إهمال الجامعات الحكومية وعدم تخصيص الأموال لتطوير بناها التحتية”، وتتهم الحكومة أيضاً بـ”عدم دعم الطلاب الموهوبين، والتضييق على مشاريع الشباب الثقافية والعلمية”.

– جهات خارجية تسهم بالتراجع
من جهته، يتهم حيدر العبودي، الناطق الرسمي باسم وزارة التعليم العالي، “جهات خارجية” بالعمل على عدم دخول العراق إلى داخل إطار معايير جودة التعليم.
وقال العبودي “هناك تآمر خارجي إعلامي، وتشويه لتاريخ التعليم في العراق”، مشدداً بالقول: “نحن نفعل ما بوسعنا ونحاول الإصلاح لكن الظروف الاقتصادية في البلاد هي التي تتحكم بمجريات التنمية العلمية”.
وأضاف: “البلاد تعاني من عجز اقتصادي كبير في الميزانية يقدر بـ 30-40 مليار دولار، وهذا يؤثر سلباً على المنظومة التعليمية عبر السنوات المتعاقبة”.
وذلك العجز- وفقاً لرأيه- يمنع البلاد من إرسال الطلاب إلى بعثات خارجية لأجل اكتساب الخبرات ونقل أفضل وسائل التعليم وأحدثها في العالم إلى البلاد.
– تهديدات تهوي بقطاع التعليم

تعرض التعليم في العراق، منذ غزو البلاد في 2003، لانتكاسات كبيرة؛ لا سيما بسبب النفوذ الواسع الذي حظيت به جماعات مسلحة ظهرت على الساحة بعد الغزو وبدعم من جهات سياسية نافذة؛ وصارت هذه الجماعات تفرض قراراتها في المؤسسات الحكومية ومنها التعليم، أيضاً فإن الجهات الحزبية والأمنية تفرض هي الأخرى أوامرها على المؤسسات التعليمية، بحسب ما يؤكد مختصون.
في السياق يشير حسين الجبوري، وهو موظف في وزارة التربية بالعاصمة بغداد، إلى وجود تهديدات متكررة.
ويؤكد الجبوري أن “عناصر هذه التنظيمات الأمنية يدخلون إلى مبنى الوزارة بزي عسكري، ويطلبون تزوير الأوراق وتغيير درجات دفاتر الامتحانات”.

ويلفت الانتباه إلى أن تغيير الدرجات بحسب ما يفرضه هؤلاء العناصر، “يتسبب في حدوث فوارق شاسعة في مقاعد الكليات، وضعف المخرجات السنوية”.
الجبوري يتحدث أيضاً عن سبب مهم من أسباب “انتكاسة التعليم في البلاد”، مبيناً أن المناهج يجري تغييرها باستمرار “بسبب تأثيرات الأحزاب الدينية التي تحكم العراق”، موضحاً أنه “يجري حذف مواضيع مهمة موثوقة، ووضع فصول تخص فئة وشخصيات محددة، لا يُتفق عليها علمياً من قبل اللجنة المختصة، بل ويهدد المسلحون بالاعتقال والسجن إذا جرى تنقيحها”.
بدورها تعرب تمارة عماد، وهي كاتبة عراقية في التنمية الثقافية والعلاقات الاجتماعية، عن قلقها مما يحصل من تراجع في مستوى التعليم، مشيرة إلى وجود “تخلف مخيف في عملية التربية والتعليم”.
وتؤكد أن النازحين أبرز من يعانون من التخلف، “إذ بلغ عددهم مليوناً و150 ألف طفل خارج الدراسة منذ عام 2014″، محذرة من “انبثاق أشكال جديدة من العنف والجهل الفكري إن لم يتم إيجاد حلول لأزمة التعليم”.
“عماد” بينت في حديثها “، أنه “من غير المنطقي اتهام وزارتي التربية والتعليم العالي فقط، بل هناك 12 معياراً أساسياً عالمياً يقيس مستوى جودة التعليم، من ضمنها: الصحة، وسوق المال، والأمن الداخلي، والتكنلوجيا، ودعم الابتكار، بالإضافة للاستقرار السياسي”.
حمَلة شهادات عليا يعانون من “ازدواجية” في قرارات الحكومة العراقية، معتبرين أنها تعمل على محاربة حملة الشهادات العلمية التخصصية، ومنعهم من تطوير التعليم في البلاد.
سامر محمد، وهو طالب ماجستير في تركيا، إنه وعدداً من زملائه من خريجي الجامعات العراقية يكملون دراستهم العليا في تركيا، لكنهم صدموا لاحقاً حين علموا بعدم اعتراف الحكومة المركزية في بغداد بتعديل شهاداتهم الدراسية.
المثير للاستغراب- بحسب قوله- أن “الحكومة في إقليم كردستان تعترف بالجامعة التي ندرس فيها”، مضيفاً: “أيضاً هناك جامعات غير معترف بها في إقليم كردستان، لكن معترف بها في حكومة بغداد، وهو ما يؤدي إلى خسارتنا لشهادات عليا من الممكن أن نستثمرها في خدمة بلادنا”.
وخلص إلى “أننا نعيش في بلد يعاني الفوضى في نظامه التعليمي، ونشعر بأننا ضحايا للنزاعات الحزبية والحكومات المتعاقبة. إن لم يتم تدارك هذه المشكلة فستزداد معدلات هجرة العقول، ولن تكون هناك تنمية في مؤسسات المجتمع”.