جهوية المؤتمرات وأهدافها الإقليمية!

عبدالامير المجر
لم يكن فوز القائمة العراقية في انتخابات العام 2010 بالعدد الاكبر من المقاعد، كافيا لان يمنحها رئاسة الوزراء، والامر لا علاقة له بصحة او عدم صحة قول المحكمة الاتحادية بالقائمة الاكبر، ان كانت قد ولدت من رحم الصناديق او من رحم البرلمان، لان هذه مسألة اجرائية، لا تغير شيئا من المعادلة على الارض..مقعدان لااكثرهما الفارق بين القائمة العراقية (91) وبين دولة القانون (89)، لكنهما اذا ما اجتمعتا ستكوّنان الرقم الاكبر في البرلمان، وحينذاك، ليس بمقدور الآخرين الوقوف بطريقهما حين يشرعان بتشكيل الحكومة،
والعكس صحيح ان انقلبت المعادلة. اختلف زعماء القائمتين على السلطة ولم يتفقا على برنامج للحكومة، يمكنهما من بناء الدولة التي بنيت على اسس خاطئة، لانها ولدت من رحم الاحتلال واستحقاقاته القاسية التي مزقت البلاد وارهقت العباد، وستكون القائمتان الموحدتان قويتين في الداخل الوطني بشكل عام والخارج الاقليمي والدولي ايضا، لكن حب السلطة حال دون تحقق ذلك وخسر العراقيون فرصة الخروج من مستنقع الطائفية الذي غرقوا بدمائه وخرابه بعد ان انتخبوا من رفع راية الاصلاح، ليؤكد الشعب انه اقرب الى الدولة المدنية منه الى دولة الطوائف والمكونات، وبالتأكيد لو تحقق ذلك لما حصل الخراب الكبير الذي اسس لداعش ودولة خرافتها التي كلفنا الخلاص منها الكثير الكثير في الارواح والاموال والوقت. لكني من الموقنين ايضا، ان اميركا لم تكن راغبة في عودة العراق لاعبا اقليميا قويا، وقتذاك، لان هناك طبخة كبرى معدة للمنطقة، ويجب ان يبقى العراق ضعيفا وساحة لوجستية للصراع حتى حين، وليس متصديا له من ارضية وطنية صلبة. قبل ايام تابعنا مؤتمرات بغداد واربيل لتحالف القوى الوطنية (السنية) والتي جاءت بعد تحرير الموصل، او مرحلة ما بعد داعش كما يسميها الكثيرون! فما هو الجديد في الامر؟.. واي شيء تهدف اليه هذه المؤتمرات التي تهيئ لانتخابات العام القادم؟.. ومن يقف وراءها في الداخل والخارج؟.. اسئلة ربما تواردت في اذهان الكثيرين، وربما قيل فيها الكثير من الكلام، الذي اصبح تجارة العراقيين الرائجة عندما بارت كل تجاراتهم الاخرى، وانشغلوا بكثرة الجدل بعد ان استمرؤوا قلة العمل!
في هذه الوقفة التحليلية، نجتهد في قراءة الاسباب التي دفعت احزاب وقوى المحافظات الغربية (السنية) الى عقد هذه المؤتمرات وفي هذا التوقيت، للخروج برؤية موحدة لمستقبل العراق، كما ذكروا، وما هي الدوافع المحلية والاقليمية والدولية التي وقفت وراء ذلك؟
لا يداخلنا الشك في ان اللاعب الاكبر في كل هذا، هم الاميركان وبعض دول الاقليم، مثلما وقفوا وراء دفع السيد مسعود بارزاني لاجراء استفتاء في ايلول المقبل، والسبب ان هناك مخططا اميركيا لانهاء النفوذ الايراني في العراق وقطع الطريق على طهران للوصول او التواصل مع سوريا، التي يجري ترتيب بيتها الداخلي بين الاميركان والروس بعيدا عن الاخرين .. فايران ترى ضرورة اعادة مد الجسور بين العراق وسوريا وصولا الى لبنان، بما يحقق طموحها كلاعب اقليمي قوي، يؤثر في مجريات الاحداث في المنطقة، بينما يرفض الاميركان ذلك، ويرون ضرورة ترتيب الاوضاع في سوريا وفقا لرغبتهم بالتعاون مع الروس.. من هنا فان حسم الامور في العراق لصالح المشروع الاميركي، يستدعي صناعة واقع سياسي عراقي جديد، يكون فيه صوت سكان المحافظات الغربية، موحدا واقوى في المرحلة القادمة، وسيكون هذه المرة من دون قناع (شيعي) كما حصل مع القائمة العراقية سابقا. بمعنى ان الانتخابات القادمة اذا ما جرت بتعديل قانونها الحالي، وهو المتوقع، ستكون جميع اصوات (السنة) في سلة قائمة تحالف القوى ولم تشتت او تشفط من قبل القوائم الاخرى كما حصل في الانتخابات السابقة حين دخلوا بقوائم صغيرة متفرقة.. وثانيا سيكون هذا التكتل السياسي الكبير متحدا باتجاه هدف واحد، يضمن حضورا مؤثرا لهم في بغداد، ويقطع الطريق على طهران من التواصل مع سوريا ولبنان انطلاقا من مناطقهم، وفي حال عدم تحقق ذلك فورقة اقامة الاقليم جاهزة.
والاقليم وفقا للدستور العراقي يعني دولة مستقلة داخل دولة مهلهلة، ما يعني ان واشنطن ستمارس ضغطها على بغداد بهذه الورقة بالاضافة الى الاستفتاء الكردي القادم، بعد ان تكون نتيجته المحسومة الورقة القوية الاخرى. ومن هنا فان مرحلة مابعدداعش تعني اميركيا محاصرة النفوذ الايراني في العراق والمنطقة عموما وترتيب اوراقها وفقا لرؤيتها بمشاركة الروس طبعا، لكي تضمن وجودا ستراتيجيا يحقق مصالحها.. وغير مستبعد ان يكون الحشد الشعبي محور تفاوض قادم، في الاقل على دوره واعادة هيكلته، لان هناك من يراه ذراعا ايرانية، تضغط على الحكومة العراقية وقراراتها السياسية، وان قوى في التحالف الوطني تؤيد اعادة هيكلة الحشد بعد الانتهاء من داعش، وهو ما بات قريبا.
نأمل ان يقرأ جميع فرقاء العملية السياسية هذا الواقع ويتعاملوا معه بعين عراقية تستحضر مصلحة العراق وسط هذا التجاذب الحاد، لتجنيب البلاد المزيد من الخسائر، لان الحل الامثل هو رؤية وطنية عراقية، تستحضر كل هذه الارهاصات، بعيدا عن لعبة لي الاذرع التي جلبت لنا الويلات وتكاد تضع العراق في عاصفة القادم من الاحداث التي يصعب رسم صورة دقيقة لها.