الحمد لله ليست {كوامة} طائفية

حمزة مصطفى
جميل جدا ان نخشى الطائفية. وأن نتطير من أية سيرة لها. وأن نرفض مخرجاتها وأخطرها القتل على الهوية, ونموذج الأسوأ الذي شاع أثناء النزاع الطائفي بعد تدمير مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء (عام 2006). جميل أيضا أن نعلن رفضنا الصريح والقوي للمخرجات الأخرى للطائفية مثل التحريض والسباب بهدف إيقاظ الفتنة التي لعنت السماء من يوقظها. هذا كله أمر جميل ومحمود لكن هل غير القتل الطائفي مسموح ومحمود ولا يشكل مشكلة ولا أزمة؟
مناسبة هذا الكلام تصريح لافت إطلعت عليه لأحد المسؤولين في إحدى المحافظات الجنوبية. المسؤول المذكور نفى وبكل فخر حدوث حالات قتل لأسباب طائفية في محافظته. من جانبي قلت الحمد لله فما نشر في بعض وسائل الإعلام قد يكون جزءا من الحملة التي يشنها الإعلام المغرض، فالأمور في تلك المحافظة “تحت السيطرة” مثلما قال وكل شيء تمام. لكن حين سئل عن حالات قتل تحصل في هذه المحافظة بين آونة وأخرى قال نعم لكنها ليست لأسباب طائفية بل بسبب خلافات عشائرية.
ربما يكون المسؤول المذكور على حق في جزئية من كلامه، فعمليات القتل الطائفي تعني فتنة جديدة بين الشيعة والسنة في وقت ليس لصالح الطرفين. فالطرفان يشعران اليوم سواء على مستوى المجتمع أو النخب السياسية إنهما في وضع أفضل من أي وقت مضى لتعزيز الروح الوطنية بعد ما تحقق من نصر في الموصل. لذلك فإن نجاح أي طرف بجر الناس الى فتنة جديدة يعني بالضرورة نجاحه في سرقة فرحة النصر.
غير أن التهاون في عمليات القتل بسبب الخلافات العشائرية والمرور عليها عند التصريحات أو حتى الإجراءات الحكومية مرور الكرام أمر في غاية الخطورة. فقتل أي إنسان تحت أي دافع أو ذريعة خسارة كبيرة لا تعوض. كما أن حصول عملية قتل واحدة يتبعها عمليات قتل ثأرية حتى بعد الفصل العشائري. وحتى لو افترضنا أن القضية تمت لملمتها عشائريا فإن من شأن ذلك استمرار عمليات البغضاء والمخاوف المتبادلة في وقت نحتاج فيه الإنتقال الى مرحلة جديدة وعلى كل المستويات، فمن غير المنطقي أن يستمر نزيف الدم عندنا مرة بسبب الإرهاب ومرة بسبب النزاعات الطائفية وعلى طول الخط بسبب الخلافات العشائرية.
الخلافات العشائرية تحولت اليوم الى هاجس مخيف لكل الناس. صحيح أن الكثير منها لا يصل الى القتل لكن كلها حتى التافه منها بات يستلزم “الكوامة” أوالفصل العشائري أو “الدكة” بالليل. قبل أيام فزعت حوالي منتصف الليل حين سمعت زخات رصاص حي كأنها في بيتي. وما أن خرجت بعد أن سكتت لعلعة الرصاص وجدت سابع جار في الشارع في الزقاق وكل واحد منا يتصور أن أحد ما “دكه” عشائريا بتلك الليلة. وما أن انجلى الموقف حتى اهتدينا الى واجهة بيوت أحد الجيران وقد أمطروه بالرصاص. لم يكن أحد بالبيت لأنه يعرف مسبقا إنه سيتم “دكه” ليلا. وما عليه سوى الانزواء لهذه الليلة حتى يستعد لتسوية الامر غدا. وحين استفسرنا “طلع” السبب تافها, خلاف عشائري. بدوري حمدت الله الذي لا يحمد على مكروه سواه لأنها .. ليست “كوامة”
طائفية.