ماذا سيحدث إذا حوصرت قطر تماماً ؟

حــازم مــبــيــضــيــن
لا يبدو أن الأزمة بين السعودية والإمارات ومصر والبحرين من جهة، ومشيخة قطر من جهة أخرى، في طريقها للحل، خصوصاً بعد رد الدوحة السلبي على مطالب الدول المقاطعة الثلاثة عشر، وما تبعها من أنباء قالت إن وزير خارجية قطر أعلن أن بلاده تمهل الدول المقاطعة ثلاثة أيام، لرفع الحصار وتعويض الخسائر السياسية والاقتصادية، الواقعة على قطر وشعبها، وإلاّ فإن الدوحة ستعلن رسمياً خروجها من مجلس التعاون الخليجي، وعدم التزامها بقراراته السابقة واللاحقة.
النزاع واقع بين السعودية أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، وقطر هي أكبر دولة مصدّرة للغاز الطبيعي المسال في العالم، وهما حليفتان لواشنطن، بينما روسيا وإيران، مُستعدتان للاستفادة من الأزمة. ويبدو أن الطرفين لن يتراجعا عن مواقفهما، بينما تواصل واشنطن تأرجحها بين ميل ترامب تجاه الرياض، ومخاوف مسؤوليه من الخطوة السعودية، التي قد تتطور إلى مقاطعة ثانوية للدول التي تُتاجر مع قطر، أو تعزيز الضغوط العسكرية عبر التهديد بفرض حصار بحري أو تعبئة على الحدود. مع توقع أن يولّد ذلك ردّاً عنيفاً من قطر قد يتمثل باللجوء إلى مجلس الأمن الدولي، ما يفتح المجال أمام روسيا للتدخل مباشرةً في شؤون الخليج.
سيكون على واشنطن حال حصول ذلك التدخل بجدية، خشية دعوة قطر لها لتفعيل اتفاقاتها الأمنية معها، التي نصت على أن بإمكان قطر دعوة الولايات المتحدة للمساعدة، إذا واجهت المشيخة تهديداً أمنياً. وربما كان ذلك سبباً في قيام وزير الخارجية الأمريكي بزيارة للمنطقة، في محاولة لتخفيف حدّة مقاطعة قطر، لكنه غادر الخليج، مع انتفاء أية مؤشرات على انفراجة، ورفض بعد كل اجتماع الإجابة على الأسئلة، بينما قال وزير الخارجية الإماراتي “إنه على قطر أن تكون عضوا في التحالف ضد الإرهاب أو مع السلامة”.
ويقول مسؤولون خليجيون إن أي حل للخلاف، يتعيّن أن يعالج جميع المخاوف التي أشارت إليها الدول المقاطعة، التي كانت وصفت توقيع تيلرسون على مذكرة تفاهم في الدوحة، تهدف لمكافحة تمويل الإرهاب، بأنها غير كافية، وأن عقوباتها على الدوحة ستظل قائمة إلى أن تلبي مطالبها، وإنها ستواصل مراقبة جهود قطر في مكافحة تمويل الإرهاب. وقد بات واضحاً أن واشنطن تشعر بالقلق خشية أن تؤثر هذه الأزمة على عملياتها العسكرية،وعمليات مكافحة الإرهاب التي تقوم بها، وأن تزيد النفوذ الإقليمي لإيران التي تدعم قطر، من خلال السماح لها باستخدام مجالها الجوي والبحري.
وإذا كانت السياسة الأميركية تتسم بالغموض، فإنّ المؤكد عدم انحيازها إلى جانب قطر. ما قد يدفع الدوحة إلى تقييد استخدام قاعدة العُديد، في وقت تحتاجها الولايات المتحدة في عملياتها ضد داعش. والأكثر خطورة، هو احتمال لجوء قطر إلى روسيا أو إيران لالتماس الدعم العسكري، إذا ما وجدت الدوحة نفسها محاصرة، وغير قادرة على الحصول على دعم أميركي أو أممي. وبديهي أن دول المقاطعة تدرس احتمالاً كهذا، لكنهم ماضون في المقاطعة على أمل تراجع قطر، والحصول على تغطية أميركية تؤمّن غطاءً دبلوماسياً وعسكرياً ضد أي دعم خارجي لقطر. وإذا كان الأمر كذلك، فإن واشنطن ستظل مقيّدة بتردُّد طويل المدى، في التدخل المباشر في دولة بشكل يُعارض سياسات حكومتها. وحتى إذا لم يحدث هذا السيناريو الرهيب بالفعل، فإن مجرد احتمال حدوثه يوضّح المرحلة المحفوفة بالمخاطر، التي وصلت إليها المنطقة فيما يخص هذه الأزمة.
اقتصادياً وهو الملف المسكوت عنه، يجب الانتباه الى أن القطريين أعادوا النظر في مصير أنبوب الغاز، باتفاقهم مع إيران على مد الأنبوب عبرها إلى تركيا ومنها إلى أوروبا. وهنا ينكشف سر التعاون التركي الإيراني للدفاع عن قطر، رغم كل ما بينهما من اختلافات، وأنه لا علاقة للأمر بالإرهاب بقدر علاقته بمن يسيطر على أكبر حقل للغاز ومن يسوقه في العالم، ما يُنذر باندلاع حرب إقليمية كبرى بضخامة الحرب العالمية الأولى، وواضح أن واشنطن تهتم بهذه الحرب أكثر من غيرها، و أن زيارة ترامب إلى الرياض وتل ابيب وعمله على إنشاء الناتو العربي السني، كانت لإشعال جبهة جديدة للحرب الأميركية، حول الغاز هذه المرة. فأميركا اليوم لا تواجه روسيا وحدها في المنطقة، وإنما يبدو أنها تعاقب قطر، لارتكابها “خطيئة” الاتفاق مع طهران على الشراكة في مد أنبوب ينقل الغاز القطري إلى الغرب عبر إيران و تركيا.
ردود الفعل القطرية غير متوقعة، والخوف أنّه كلما ازدادت تأثيرات المُقاطعة تتزايد الاحتمالات بأن تكون ردود الفعل مُدمّرة لكل الأطراف دون تمييز، والمثل يقول إذا حبست القط انقلب أسداً، فكيف إذا حبست مشيخة قطر؟.