14 تموز بين الثورة والنكبة

سعد العبيدي
مرت قبل ايام ذكرى التغيير الجذري في العراق في 14 تموز عام 1958، ومرت معها موجة الاختلاف بين مؤيد يعدها ثورة أنقذتنا من عبودية الاقطاع وتبعية الاستعمار، وبين ناقد يحسبها نكبة، وهو اختلاف طبيعي، لا ينبغي أن يمر دون التوقف عنده، ومناقشة النتائج التي من خلالها نحكم على طبيعتها ثورة أم نكبة، وبضوء هذا يمكننا القول أن تموز الحدث الذي ألغى العبودية العشائرية وأنصف الفقراء وقدمهم خطوات الى مصاف المقدمة ليتحملوا مسؤولية البناء، كانت النتيجة خسارة زراعة كانت تسد حاجة البلاد، ويصدر الفائض منها والتمور خير مثال.
والفقراء الذين أُنصفوا لم يغيروا من حالهم الى الأحسن وينتجوا الطبقة الوسطى التي تقود البلاد، بل وعلى العكس فقد سحبوا الأغلبية الى خانة الفقر والتخلف ووضعوا البلاد على حافة الجهل في كل شيء.
وتموز أنشأت العديد من المشاريع وشيدت المدارس وفتحت الجامعات وبنت الجسور، وأنجزت الكثير، لكنه انجاز جاء على وفق منطق ثوري لا يخضع الى التخطيط وتهيئة التمويل، وضع البلاد في أزمات ومشاكل تفوق قدرة الدولة على الحل، فالديون وخفض قيمة العملة وتردي مستوى التعليم، فثلاث جامعات في عموم البلاد تخرج علماء على سبيل المثال وجامعة رابعة بعد خمس سنوات وأخرى بعد عشر تبعاً لخطة نمو تحسب فيها الموارد والامكانيات خير من خمسين جامعة تخرج جهلة في غالبية العلوم، وآلاف العاطلين يقفون في طوابير يريدون التعيين فلا يجدونه.
وبالنسبة الى النفط، فان نتائج التأميم والتعامل الكيفي معه كانت كارثة حلت على العراق، اذ وبعد أن بدأ الثوريون ينتشون في الحكم، ظنوا أنهم أقوى من العالم ومن أصحاب النفوذ والشركات العملاقة، وصفقوا لأنفسهم في تحقيق النصر عليها وجعل النفط ثروة عراقية لا حصة فيها للأجنبي الذي اكتشف وسوّق وكرر، والنتيجة جعلت العراق من بين الدول التي تضررت من وجود النفط بل هي أكثر الدولة تضرراً، وعلينا أن نتخيل كم النفط الهائل للتصدير وعائده الذي توجه صرفه منذ العام 1958 على الأسلحة والحروب والتبرعات والاكتناز في بنوك أجنبية بأرقام سرية والتبذير والنهب، والنتيجة رجوع أموال النفط الى خزائن تلك الدول التي طُردت وما تبقى الآن لا يسد رواتب الموظفين التي قفزت عدة أضعاف وكونت تضخماً أكلها وأعاد أصحابها الى صفوف الفقراء.
وفي حال الاستعمار الذي أخرجته تموز من الباب فانه عاد اليها من الشباك بأشكال نفوذ مذلة ودول سمح لها أن تتواجد بطرق مهينة دفعت الكثير من العراقيين لأن يفضلون عودته سبيلاً للإنقاذ.
أما العشائر التي كان شيوخها سلطة ضابطة وان قسوا فمن جاء بعد أهل تموز كون نظاماً عشائرياً مهيناً أسهم في اشعال الحرائق وأعاق بناء الدولة المدنية.
وهناك المزيد الذي يقرب الاستنتاج من أن تموز لم تكن ثورة في المعنى الصحيح.