البعد الاقتصادي في ستراتيجية الأمن الوطني

عبد الزهرة محمد الهنداوي
شهدت المدة من 2010 لغاية 2017 اطلاق عدد من الستراتيجيات والخطط في مختلف مفاصل وقطاعات التنمية؛ بهدف النهوض بالواقع التنموي للبلاد وتحقيق مستوى معقول من رفاهية العيش للمواطن في ظل توافر موارد اقتصادية جيدة يمكن استغلاها لذلك ، وإذا اردنا ان نستعرض جانبا من تلك الخطط والستراتيجيات فإننا سنحتاج إلى الكثير من الوقت والمساحة لذلك ، فهناك ستراتيجيات الطاقة والتعليم والصحة والإسكان والزراعة والقطاع المصرفي والقطاع الخاص وستراتيجية التخفيف من الفقر وغيرها ، فضلا عن خطتي التنمية الوطنية الأولى 2010- 2014 التي توقفت بعد عامين من اطلاقها والخطة التنموية الثانية 2013-2017 .الكثير من هذه الستراتيجيات لم تؤت أكلها، لأسباب كثيرة منها أنها جاءت في ظروف أمنية وسياسية واقتصادية معقدة، وتداخلها مع بعضها، الامر الذي يؤسس حالة من الضبابية في الرؤية وعدم وضوح الادوار للجهات المعنية بالتنفيذ، اضافة إلى ان الخطط والستراتجيات المشار اليها لم تكن ملزمة لأنها لم تصدر بقوانين او قرارات ، وبالتالي فان عدم الالزام هذا يخلق حالة من التهاون في التنفيذ في ظل تداخل الصلاحيات بين المركز والمحافظات وعدم حسم هوية الاقتصاد الوطني من الناحية العملية ،أهو اقتصاد اشتراكي ام ليبرالي (السوق)؟.
فعلى الرغم من تحديد الهوية دستوريا، بأنه اقتصاد حر تنافسي مستدام ، إلا ان المجريات في الواقع مازالت تؤكد اشتراكية الاقتصاد ولكنها مشوهة إلى حد ما. وكما شهدنا موجة من الخطط والستراتيجيات في عام 2010 ، فإننا مقبلون الان على اطلاق خطط وستراتيجيات جديدة تغطي السنوات الخمس المقبلة وهي (خطة التنمية الوطنية الخمسية 2018 – 2022 ، ستراتيجية التخفيف من الفقر 2018 – 2022، ستراتيجية تطوير القطاع الخاص 2017 – 2030، رؤية العراق لأجندة التنمية المستدامة 2030 ، الخطة الوطنية لإعادة اعمار وتنمية للمحافظات المتضررة جراء العمليات الارهابية والحربية 2018 – 2022 ، وستراتيجية الامن
الوطني) .
ان واقع الخطط الجديدة سيكون مختلفا عن السابقة من خلال المشاركة الواسعة في الاعداد وهذه المشاركة سوف لا تقتصر على الجانب الوطني انما هناك مشاركة دولية ايضا ، كما انها تأخذ بنظر الاعتبار الواقع العراقي الجديد بعد التحرير والعمل على احداث حالة من التعافي للمواطن والوطن والاقتصاد .
وسأتناول هنا البعد الاقتصادي في ستراتيجية الامن الوطني .. فالستراتيجية تحمل ابعادا مهمة جدا ، لتحقيق الامن الوطني الذي ينبغي ان يشمل جميع المجالات التنموية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية وغيرها .
وكل هذه المجالات تحتاج إلى الجهود والمشاريع لتحقيق التكامل بين تلك القطاعات وصولا لتحقيق مفهوم الأمن الشامل المستدام .
يحدد واضعو الستراتيجية رؤيتهم للأمن الشامل على اساس بناء عراق آمن ومستقر يعيش فيه ابناؤه بأمان ورفاه في ظل دولة ديمقراطية اتحادية تراعى حقوق الانسان والخصوصية الثقافية والدينية والقومية وتسهم في تحقيق الامن والسلم الدوليين، ولا شك ان مثل هذه الرؤية استندت إلى اسس وركائز مهمة يأتي في مقدمتها العنصر الاقتصادي الذي يعد احد المحركات المهمة لعجلة الحياة والعنصر المؤثر في تحقيق الاستقرار، وهذا يتطلب العمل على بناء اقتصاد وطني متين يعتمد التنوع والتنافس اساسا للانطلاق بعد حسم قضية الهوية الاقتصادية ، فالمرحلة تقتضي تعزيز اقتصاد السوق وتنويع مصادر الدخل وتمويل التنمية وان تكون الحكومة والدولة راسمة ومخططة للسياسات والأنشطة الاقتصادية ومتابعة لتنفيذها بعد الاعتماد على القطاع الخاص بوصفه القائد والرائد للتنمية ، وهنا اشارة واضحة بان ستراتيجية الامن الوطن تتكامل في بعدها الاقتصادي مع ستراتيجية تطوير القطاع الخاص التي حددت عام 2030 سقفا زمنيا لتحول قيادة التنمية إلى هذا القطاع .
وتدعو الستراتيجية من جانب اخر إلى وضع سياسة مالية واقتصادية لمرحلة مابعد انتهاء الحرب ضد الارهاب، وهنا يبدو التماهي واضحا بين ماتدعو اليه الستراتيجية وبين ما تضمنته وثيقة الاطار العام للخطة الوطنية لإعادة الاعمار والتنمية للمحافظات المتضررة جراء العمليات الارهابية والحربية التي وضعت سقفا زمنيا لمدة 10 اعوام لإعادة اعمار تلك المناطق ( اقتصاديا –بشريا – اجتماعيا – وبنى تحتية) ..
وفي جانب آخر تتبنى الستراتيجية سياسة الاصلاح الاقتصادي وترشيد الاستهلاك ومكافحة الفساد وضبط الانفاق الحكومي وتشجيع الاستثمار الداخلي والخارجي، مع التركيز على ضمان تكافؤ الفرص وخفض مستوى البطالة وتحسين مستوى المعيشة والخدمات الاساسية وحماية المستهلك وتحقيق مبدأ الحكم الرشيد.
وهي بهذا الشمول والإدراك لأهمية هذه المبادئ ، تنسجم تماما مع التوجهات العالمية نحو مبادئ التنمية المستدامة التي تؤكد عدم تخلف احد عن ركب التنمية، كما انها تنسجم مع ما تصبو اليه خطة التنمية الوطنية 2018 – 2022 سات الاقتصادية
وتؤكدها.
ولدينا ايضا ستراتيجية التخفيف من الفقر للمدة الزمنية نفسها التي وضعت لها 6 اهداف رئيسة ، تتلخص في تحسين مستوى الدخل والصحة والتعليم والسكن والحماية الاجتماعية ودعم النازحين، وهذه الاهداف الستة تصب هي الاخرى وبنحو اساس في تحقيق مساحة واسعة من الأمن الوطني الشامل .
كما تتبنى ستراتيجية الامن الوطني الجديدة اهدافا اقتصادية اخرى مهمة كتطوير قانون الخدمة المدنية ومكافحة الفساد الذي تسبب في الكثير من المشاكل للتنمية وتطوير استثمار الموارد الطبيعية و انشاء صندوق الثروة السيادية لضمان استدامة التنمية والمحافظة على حقوق الاجيال .
كما لم تغفل الستراتيجية عن قضايا الطاقة والدعوة إلى استحداث مجلس اعلى للنفط وهو مطلب قديم متجدد لحسم القضايا الخلافية ووضع سياسات نفطية
ناجعة .
في المجمل ان ستراتيجية الامن الوطني تحمل رؤية اقتصادية ناضجة لم تأت من فراغ انما جاءت من خلال دراسة الواقع بنحو معمق والإفادة من التجارب والتحديات السابقة والعمل على تجنب مواجهتها مرة اخرى .. وهنا اشير وأنا اتحدث عن المشاكل ، إلى قضية اجدها جوهرية وقد ذكرتها في بداية الكلام وهي مسألة التداخل بين الستراتيجيات والخطط وانتفاء وجود خيمة تضم كل هذه الخطط والستراتيجيات ، وأمر كهذا ربما يضعف او يشتت الجهود المبذولة، فحتى منظمات الامم المتحدة وفي مقدمتها البرنامج الانمائي غالبا ما يسألون عن الجهة التنسيقية او القائدة لجهود التنمية في العراق ، لأنهم -وهم من الشركاء والداعمين لهذه الجهود – يفضلون التعامل مع جهة بعينها لضمان الافادة من
دعمهم .