الأمن الرقمي
أحياناً يكون من الجيد التعاون مع الدول التي قد لا نثق فيها في شؤون الأمن الرقمي. وهناك سوابق للعمل مع دول كثيرة في قضايا الأمن الرقمي. فقد توصلت الولايات المتحدة في عهد إدارة أوباما إلى اتفاق مع الصين بشأن كيفية التعامل مع قضايا النزاع في الأمن الرقمي. ولم يكن مقصوداً بالاتفاق وقف الهجمات الرقمية المتبادلة بين البلدين، ولكن منعها من الخروج عن نطاق السيطرة. وخلق الاتفاق نوعاً من الخط الساخن للاتصال وتقاسم المعلومات بشأن التصرفات التي من المحتمل أن تثير مشكلات، وأيضاً مواصلة الحوار بشأن القضايا الرقمية. وقد نفع الاتفاق لأن البلدين كانت لهما مصالح متضافرة في مجموعة محدودة للغاية من القضايا. ولم يتضمن الاتفاق تبادل معلومات حساسة حقاً، واستطاع البلدان إدارة الخلاف بدلاً من الدخول في تعاون عميق ومكثف.
وبدلاً من إقامة حوار، يريد الرئيس ترامب الدخول في تعاون حقيقي مع روسيا بشأن الأمن الرقمي. ويريد إقامة «وحدة» مشتركة تتعامل مع قضايا أمن الانتخابات الرقمي حتى تمنع القرصنة. وهذه الوحدة ستكون بالإضافة إلى هذا «غير قابلة للاختراق». ولا عجب أن يفسر المنتقدون في الولايات المتحدة هذا المقترح بأنه مكيدة واضحة من ترامب لتهميش الاتهامات بأن قراصنة روساً قد ساعدوا في فوزه في الانتخابات الرئاسية.
وكي تعمل وحدة الأمن الرقمي المقترحة بكفاءة، يتعين على الولايات المتحدة تقاسم معلومات كثيرة مع روسيا بشأن كيفية دفاع المسؤولين الأميركيين عن الانتخابات ضد الهجمات الأجنبية. والمشكلة أن المعلومات القيمة في الدفاع عن النظام الأميركي هي بحد ذاتها معلومات قيمة للهجوم على النظام أيضاً. وهذا أحد الأسباب التي جعلت المسؤولين الأميركيين لم يقترحوا من قبل أي اتفاق واسع النطاق مع روسيا بشأن الأمن الرقمي. فتقديم هذه المعلومات من شبه المؤكد أن يقدم للروس خريطة بنقاط الضعف التي يمكن اختراقها في النظام. وحين يعلن ترامب أن هذه الوحدة ستكون «غير قابلة للاختراق» فهذا يعني أن روسيا والولايات المتحدة ستتعاونان في جعلها آمنة ضد أي قرصنة من أطراف أخرى. وكي تجدي هذه الوحدة يتعين على الولايات المتحدة تقاسم وسائل حساسة مع روسيا والعكس بالعكس. ولن يقوم أي من الطرفين بهذا لأنه سيقدم للخصوم المحتملين فهماً عميقاً لإجراءات الحماية التي قد يستغلها الخصوم أنفسهم لاختراقها.
وباختصار فمثل هذا النوع من التعاون الذي يقترحه ترامب من الصعب للغاية تنفيذه بين الحلفاء المقربين أصحاب المصالح الأمنية المشتركة. والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة تتقاسم عدداً كبيراً من الأسرار مع عدد معين من الحلفاء لكنها لا تشارك كل شيء للأسباب نفسها التي تمنع هؤلاء الحلفاء من مشاركة أعمق أسرارهم العسكرية مع الولايات المتحدة. ومن المستحيل تقريباً تنفيذ هذا مع دولة ليست خصماً في غالب الأوقات فحسب، بل أظهرت في الآونة الأخيرة رغبة في القرصنة على الانتخابات الأميركية.
هنري فاريل
أكاديمي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة “واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سِرفس”