أيام ترامب المئة الأولى في الحكم
ويليام رو
مثّل انتخابُ دونالد ترامب مفاجأة كبرى لمعظم الأميركيين، وذلك على اعتبار أن معظم استطلاعات الرأي كانت تتوقع خسارته أمام هيلاري كلينتون. واليوم تحمل المئة يوم الأولى التي قضاها ترامب في الحكم مزيداً من المفاجآت أيضاً.
ولعل المفاجأة الأولى هي أن الرئيس ترامب قد فشل في تحقيق أي من التغييرات المهمة العديدة التي كان قد وعد ناخبيه بتحقيقها فور وصوله للرئاسة. فعلى رغم أن الانتخابات جلبت إلى مجلسي الكونجرس أغلبيتين مهمتين للحزب الجمهوري، حزب ترامب، إلا أن الرئيس لم يستطع، مثلما وعد، ترجمة ذلك الامتياز إلى إلغاءٍ للتشريع الأهم الذي مُرر خلال رئاسة أوباما.
وفشل ترامب الأكبر يكمن في عدم إلغائه لقانون الرعاية الصحية الذي مرره أوباما. فعلى مدى سنوات، خاض الجمهوريون حرباً ضروساً ضد ذلك القانون، وقد وعد ترامب بإلغائه واستبداله بآخر فور انتخابه. ولكن الأغلبية الجمهورية في الكونجرس كانت منقسمة للغاية على نفسها إلى درجة أنها فشلت كلياً في الإتيان بقانون بديل. وهكذا، تعرض ترامب للإهانة بسبب عدم قدرته على إقناع حزبه بالتوحد حول هذا الموضوع. ومع نهاية المئة يوم الأولى، ما زال الجمهوريون يسعون جاهدين إلى إعداد مشروع قانون جديد للرعاية الصحية، ولكن من دون طائل.
ونظراً لعدم قدرته على تمرير أي قوانين جديدة مهمة، لجأ ترامب إلى الأوامر التنفيذية التي لا تتطلب موافقة الكونجرس. ولكن هنا أيضاً، مني ترامب بإخفاقات كبيرة كذلك.
والإخفاق الأكبر متعلق بسياسة الهجرة. فخلال الحملة الانتخابية، وعد ترامب بـ«وقف كامل وتام» لهجرة المسلمين. وفي غضون أسبوع واحد على وصوله للبيت الأبيض، أصدر أمراً تنفيذياً يمنع سفر مواطني سبعة بلدان (العراق، إيران، ليبيا، الصومال، السودان، سوريا، اليمن) إلى الولايات المتحدة لمدة 90 يوماً، كما حظر سفر السوريين لمدة 120 يوماً. ولكن قاضياً فيدرالياً حكم ببطلان أمره التنفيذي على اعتبار أنه ينطوي على تمييز ضد المسلمين، وذلك على نحو يتنافى مع أحكام الدستور الأميركي. ثم أصدر ترامب أيضاً نسخة معدلة من الأمر في السادس من مارس، ولكن المحاكم عمدت مرة أخرى إلى الطعن فيه أيضاً للأسباب نفسها. وهو موقف اتفق معه آلاف الأميركيين، الذين انضموا إلى مظاهرات عامة للاحتجاج على سياسات ترامب التي تستهدف المسلمين. ومن غير الواضح ما إن كان سيقوم بمحاولة أخرى جديدة.
كما فشل ترامب أيضاً، حتى الآن، في الوفاء بوعده بخصوص بناء جدار على الحدود مع المكسيك لمنع تسلل المهاجرين غير الشرعيين إلى أراضي الولايات المتحدة، وإرغام المكسيك على تحمل تكلفة بنائه. فعندما رفضت المكسيك تحمل نفقات إنشائه، ألمح إلى أن الكونجرس سيتولى ذلك، ولكن هذا الأخير لا يبدو أنه هو أيضاً سيقوم بذلك لأن التكلفة المقدرة لأشغال البناء ارتفعت من عشرة إلى عشرين مليار دولار.
وحتى الآن، وقّع الرئيس الأميركي أكثر من 20 أمراً تنفيذياً آخر أمام كاميرات وسائل الإعلام ليظهر نشاطه وحيويته، غير أن هذه الأوامر التنفيذية تتعلق بمسائل ثانوية.
وفي مجال السياسة الخارجية، اتخذ ترامب قرارات أخرى خلال المئة يوم الأولى من حكمه، ولكن أياً منها لا يرقى إلى الإنجاز الكبير الذي وعد به عندما كان مرشحاً، بل إن معظمها أثار قدراً كبيراً من الغموض والارتباك بشأن سياساته. فخلال الاستقبال الحار الذي خص به رئيسَ الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن، مثلًا، أدلى ترامب بتصريحات ألمحت إلى أنه قد يتخلى عن الالتزام الأميركي الطويل بحل الدولتين في النزاع العربي- الإسرائيلي. ولكن السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة أكدت لاحقاً أن واشنطن ما زالت تدعم حل الدولتين، وهو ما جعل السياسة الأميركية تبدو مضطربة وغير واضحة. كما طلبَ ترامب من نتنياهو «تجميد بناء المستوطنات الإسرائيلية»، ولكنه عمد إلى التزام الصمت عندما قامت إسرائيل بتوسيع المستوطنات لاحقاً.
وكذلك فسياسة ترامب بخصوص العراق غير واضحة أيضاً. ففي يناير الماضي، انتقد الغزو الأميركي للعراق وقال «كان ينبغي أن نحتفظ بالنفط»، في إشارة إلى أن الاحتلال الأميركي كان ينبغي أن يستمر. ولكن في فبراير الماضي، زار وزيرُه للدفاع جيمس ماتيس بغداد وقال: «إننا لسنا في العراق من أجل الاستيلاء على نفط أي أحد». ومنذ ذلك الوقت، لم يأت ترامب على ذكر النفط العراقي مرة أخرى.
وبخصوص إيران أيضاً، بعث ترامب إشارات مختلطة. فخلال الحملة الانتخابية، ندّد بإيران بسبب عدم احترامها للاتفاق النووي ووعد بتمزيقه. ولكن في العشرين من أبريل، أقر بأن إيران التزمت بالاتفاق ولكنها لم «تكن في مستوى روح الاتفاقية»، من دون أن يوضح ما يقصده بذلك أو ما ينوي فعله حيال ذلك، إنْ وجد.
وبخصوص أفغانستان، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية إلقاء قنبلة ضخمة من دون أي توضيح مقنع للهدف الذي كانت تتوخاه تلك العملية. وخلال الاستعراض العسكري الذي نظمته كوريا الشمالية مؤخراً، أعلن ترامب أن أسطولاً أميركياً في طريقه إلى المنطقة، في ما بدا محاولة لإظهار القوة الأميركية، إلا أنه سرعان ما تبين أن وجهة الأسطول لم تكن المنطقة، وهو ما أصاب الجميع بالحيرة.
ومنذ أن أصبح رئيساً للولايات المتحدة، غيّر ترامب مواقفه على نحو مفاجئ أيضاً بخصوص جملة من المواضيع الدولية الأخرى. فبخصوص سوريا، كان يشير إلى أن همه الوحيد هو هزيمة تنظيم «داعش» وعدم التدخل في الحرب الأهلية السورية. ولكن بعد رؤيته صور الهجوم الكيماوي ضد المدنيين على التلفزيون، أعلن تغيير موقفه من تلك الحرب قائلًا: «إن موقفي تجاه سوريا تغيير كثيراً» وأمر بإطلاق صواريخ «توماهوك» ضد قاعدة جوية سورية.
كما غيّر رأيه بخصوص «الناتو» أيضاً. فقد كان ينتقده باعتباره حلفاً عفا عليه الزمن، ولكنه اليوم أصبح يقول إنه مهم. كما غيّر رأيه بخصوص الصين، التي كان يتهمها بالتلاعب بقيمة العملة، ولكنه اليوم صار يقول إنها لا تفعل ذلك.
وقبل أن يصبح رئيساً، كان ترامب يشيد بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مشيراً إلى أنه يرغب في علاقات جيدة مع روسيا. ولكن بعد الضربات الصاروخية الأميركية للقاعدة الجوية السورية، قال وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في موسكو إن العلاقات الأميركية- الروسية انحدرت إلى «مستوى متدن». وفي هذه الأثناء، أصبحت العلاقات مع روسيا موضوعاً سياسيا في الولايات المتحدة، حيث يحقق «مكتب التحقيقات الفدرالي»، الـ«إف بي آي»، والكونجرس حالياً في احتمال أن تكون روسيا قد تدخلت في الانتخابات الأميركية، وفي احتمال أن تكون لمساعدي ترامب علاقات غير مناسبة مع الروس. ويعتقد كثيرون أن مزيداً من الفضائح المماثلة ستنكشف قريباً، وهو ما يُضعف الثقة في الرئيس الأميركي.
والواقع أن أسلوب ترامب في الحكم وفشله في إنجاز ما وعد به تعكسهما استطلاعات الرأي المنخفضة حول شعبية الرئيس الأميركي، حيث يشير استطلاع لمركز غالوب إلى أن معدلات الرضا الشعبي عنه توجد في حدود 41 في المئة، وهو أدنى مستوى بعد 100 يوم في الحكم لأي رئيس أميركي منذ بدء استطلاعات الرأي. وتنتقد معظم الصحف والقنوات التلفزيونية الأميركية البارزة ترامب بشدة، حيث تركز على ادعاءات التدخل الروسي في الانتخابات، وإخفاقات ترامب التشريعية، وتحريفه المتكرر للحقائق. وفي مقدمة العدد الجديد من مجلة «فورين أفيرز»، التي تُعد أعرق دورية أميركية من نوعها، كتب رئيس تحريرها يقول إنه من غير الواضح ما إن كانت إدارة ترامب غبية أو مذنبة. ولاشك أن الجمهور الأميركي يتوق لمعرفة الجواب.