كردستان وحق «تجييك» المصير

حمزة مصطفى
الرسائل العديدة التي وصلت الى زعامة إقليم كردستان من دول إقليمية وعالمية بشأن الاستفتاء المزمع إجراؤه خلال شهر أيلول القادم ليست مشجعة ولا مطمئنة. فلأول مرة تتفق دول بينها خلافات بعضها أساسية حول ملفات المنطقة على التعبير عن مخاوفها ليس بشأن ما يمكن أن يسفر عنه الاستفتاء بل على الاستفتاء ذاته من حيث المبدأ، فحين تتفق دول وجهات مختلفة مثل الولايات المتحدة وإيران فضلا عن تركيا وروسيا بالإضافة الى الحكومة العراقية والأمم المتحدة فإنه يصبح إجراء استفتاء يتناول حق تقرير المصير أمرا في غاية الصعوبة بل يكمن في عداد المستحيل فيما لو أرادت الجهة الكردية الأكثر حماسا لهذا الأمر “الحزب الديمقراطي الكردستاني وزعيمه السيد مسعود بارزاني” أن تتحول النتائج المحسومة سلفا الى أمر واقع.
الوقائع والحيثيات تقول أن الطرف الوحيد المؤازر ليس للاستفتاء بل حتى استقلال كردستان الذي لا يرجحه حتى بارزاني نفسه في المدى المنظور هي إسرائيل فقط. ولعل الخطأ الأكبر الذي يقع فيه الكرد فيما لو راهنوا “من صدك” على كيان غير مرغوب فيه في المنطقة وإذا أراد أن يكون له تأثير فلن يكون هذا التأثير سوى سلبيا، فإسرائيل على الأقل ليست لها حدود قريبة مع كردستان المزمع قيام دولتها حتى تؤثر في معادلة إقليمية مهمة قوامها دول مؤثرة والأهم فيها أكراد دول مثل “العراق وإيران وتركيا وسوريا”. هذه الدول لا إسرائيل هي التي تؤثر في القرار الكردي. وكل واحدة منها لها حدود في هذا التأثير، فالعراق مثلا هو الدولة الأكثر تعاطفا مع الحق الكردي في تقرير المصير برغم أن الدستور العراقي يفترض ان يكون قد حسم هذه النقطة. كما إنه الدولة الوحيدة التي نال فيها الكرد حقوقهم طبقا للدستور بحيث يبدو إقليم كردستان شبه دولة قائمة وعلاقته مع بغداد تبدو أحيانا أشبه بالعلاقة بين دولتين ترتبطان بكونفدرالية لا بفدرالية. بينما الأمر يختلف تماما في إيران وتركيا وحتى سوريا التي تعيش ظروفا صعبة الآن ولا تستطيع التأثير على القرار الكردي السوري المدعوم حاليا “قوات حماية الشعب الكردي” من قبل الولايات المتحدة.
إذا عكسنا كل هذه المسائل على الداخل الكردي فإنه أصبح له تأثيره على طبيعة العلاقات الكردية ـ الكردية. صحيح انه ليس بإمكان أي حزب أو قوة كردية رفض الاستفتاء من منطلق حق الكرد كأمة في إقامة دولة مثل باقي الأمم, لكن في ظل الصعوبات الإقليمية والدولية والخلافات العميقة بين بعض القوى الكردية فإن الحديث عن الاستفتاء بوصفه مقدمة لتقرير المصير ومن ثم إعلان الدولة الكردية كأمر واقع بات يتراجع بينما الخلافات هي التي بدأت تتصاعد. لذلك باتت الصورة الأكثر قربا الى الواقع هي المضي بالاستفتاء بطريقة او بأخرى برغم اعتراض حركة التغيير “كوران” عليه لكن ليس من أجل حق تقرير المصير بل “تجييكه” في أفضل الأحوال.
فأربيل لاسيما بارزاني باتت بحاجة الى ورقة مساومة أكبر مع بغداد وتتمثل بنتيجة الاستفتاء التي سيجري التلويح بها آناء الليل وأطراف النهار.