قضينا على الإرهاب وبقي إعلامه

سلام مكي
منذ اللحظة التي تلا فيها القائد العام للقوات المسلحة بيان النصر على داعش وتحرير الموصل منها، بدأت الكثير من وسائل الاعلام العربية وبعض القنوات العراقية، بتغطية الخبر بطريقة استفزازية تضمر خطابا رافضا للتحرير، لتوهم المتلقي العربي ان ما حدث هو دمار وخراب للموصل وليس تحريرا لها.
قناتا العربية والجزيرة مثلا لا تعرضان اي صور الا البنايات التي فجرها داعش، والشوارع والأماكن المدمرة، في حين ان النازحين الذين بالكاد فروا من داعش لا تعرض صورهم، فتحاول ان تعطي صورة مغلوطة للعالم مفادها: ان عملية تحرير الموصل، أدت الى تدميرها وتخريب شوارعها، ولكنها لم تقل ابدا ان عملية التحرير جاءت بعد ان قتل ناسها وسبيت نساؤها.
فضائية عربية اخرى تظهر شخصا يدعي انه يمثل شيوخ الموصل، ويهدد بعودة داعش مجددا، اذا لم تخرج قوات الحشد الشعبي (الايراني) حسب قوله!. آخر يهدد باستخدام القوة ضد الحشد والجيش اذا لم يتركوهم يديرون المدينة مجددا، في حين انه لم يرم طلقة واحدة ضد داعش. صحيفة عربية مهمة تجاهلت خبر اعلان تحرير الموصل بالكامل واكتفت بخبرين، الاول نقلا عن هيومن رايتس ووش، حيث يقول الخبر: (العراق يمارس عقابا جماعيا ضد اسر داعش)! ولكنها بينت داخل الخبر ان العراق استعاد السيطرة على الموصل بعد ان كانت تحت حكم المتشددين!. هذه الصحيفة التي تطلق صفة الدولة الاسلامية على التنظيم الارهابي، تحاول ان تظهره للعالم على انه ضحية القوات العراقية. هذا الخبر يبين ان عدد اسر الدواعش هو170 اسرة، في حين ان هناك آلاف الأسر الموصلية تعيش اوضاعا مأساوية وصعبة وسط تجاهل تام من قبل المسؤولين المحليين، والسياسيين الذين يتحدثون في الفضائيات عن حقوقهم وانهم مهمشون من قبل الحكومة.
الخبر الآخر الذي نشرته تلك الصحيفة هو قيام القوات العراقية والتحالف الدولي بانتهاك القانون الدولي! حيث ان احتجاز عوائل الدواعش دون ارادتهم يعتبر جريمة، خصوصا وان المنظمة( هيومن رايتس) زارت مخيمات تضم عوائل الدواعش، واستمعت لأقوالهم وتبين ان القوات العراقية احتجزتهم دون ارادتهم!! في حين ان القتل والسبي الذي تعرض له مدنيون في الموصل على يد تلك العصابات يفوق الخيال والوصف، ولكن لم تقم المنظمة بذكره ابدا.
النتيجة النهائية ان هذه الصحيفة تحاول ان تقول ان هنالك طرفين في النزاع، وينبغي الا يتم الانحياز لأي منهما. هذه الدولة الاسلامية وهذه الدولة العراقية، مع القول المضمر ان الدولة الاسلامية هي التي تمثل العروبة والعرب، والدولة العراقية تمثل الطرف الآخر!. فضائية عربية مهمة، وضعت خانة خاصة بالعراق في موقعها، وهذه الخانة مخصصة لأخبار الانتهاكات المزعومة للقوات الأمنية والتغطية غير المبررة للفيديو الذي نشر في مواقع التواصل الاجتماعي والذي يظهر اشخاصا يعذبون معتقلين، دون التأكد من هوية اولئك الاشخاص. وهذا الخبر عنوانه: مشاهد مرعبة حول الانتهاكات بالموصل! وهكذا، يوغل الاعلام العربي في تقديم الدعم الاعلامي والمعنوي لداعش، والتطوع في مواجهة الدولة العراقية، عبر بث الاخبار الكاذبة التي توهم الآخرين بأن هناك طرفي نزاع ينبغي الا يتم الانحياز لأحدهما، كما يحدث في سوريا.
الاعلام الوطني، للأسف، ليس بالمستوى المطلوب، اذ لا بد من تخصيص مساحة واسعة لغرض الرد على تلك الأكاذيب وتعرية خطاب تلك الفضائيات والصحف، وايصال الصورة الناصعة للنصر العراقي الكبير. كما لا يمكن ان نغفل دور مواقع التواصل الاجتماعي التي لعبت دورا يكاد يكون موازيا للدور الذي لعبته الفضائيات والصحف في تأجيج الوضع واعطاء صورة مغايرة للواقع، عبر اشخاص مؤثرين، لهم جمهور واسع، هذا الجمهور الذي غالبا ما يتحرك وفقا لأمزجة واهواء اصحاب تلك الصفحات سواء بالرفض او القبول، فالقبول بما يطرح من افكار يؤدي الى انقياد تام لذلك الفكر، ورفضها يؤدي الى زيادة النفس الطائفي وتقديم وجبات من الشحن الطائفي والسب والشتم بين المختلفين طائفيا، وهو امر لا يزال موجودا لغاية اليوم، بعد مضي فترة على اعلان النصر، خصوصا وان الكثير من اصحاب تلك الصفحات، ممولون من جهات خارجية، هي نفسها الجهات التي تمول الفضائيات والصحف.