رعب الحرب الباردة يعاود الظهور

فان بادهام
تبنينا العادة الليلية التالية: اتفقنا على عدم التحقق من وسائل التواصل الاجتماعي في السرير، لذلك صرت أحصل على فيض من الأخبار الأميركية على الأريكة قبل الخلود إلى النوم، يزودني بها أصدقائي الأميركيون على موقع “فيسبوك”، وتترافق غالباً مع أطنان من الكلمات المعبِّرة عن الاشمئزاز، أو الحزن التعِب، أو الصدمة السقيمة حيال الطريقة التي يتعاطى بها الرئيس الأميركي مع أسلحته الحربية.
أما المعلقون السياسيون على موقع “تويتر”، فيحافظون على الأقل على نبرة مدوية في تغطيتهم الأخبار، إلا أن ما يشغل بالي حقاً هو أعمال الرئيس: إلقاء “أم القنابل” في أفغانستان، حقاً؟ محو مطار سوري بدون تردد، هل أنت واثق؟ تهديد كوريا الشمالية؟ ويوم الخميس، يستفز ترامب إيران.
لمَ لا نجزع؟ يكفي أننا أمضينا عقوداً في محاولة التعافي من الجنون العسكري الأميركي في فيتنام، وأفغانستان، والعراق، وندرك منذ عام 2012 أن الصواريخ الكورية الشمالية قد تكون موجهة نحونا، فضلاً عن أننا نضع سلامتنا الوطنية بين أيدي قيادة أميركية لا تستطيع التلفظ باسم قائدنا بالشكل الصحيح… ألا يبدو كل ذلك متهوراً.
لا شك أن التهور يشكّل المحور الأوضح في السياسة الخارجية التي تتبعها إدارة ترامب، ويعرف العالم بأسره أن ترامب يغرّد خلال الساعات التي يعجز فيها عن النوم ليلاً. تأتي هذه التغريدات عاطفية ومتفجرة، وبات لها عواقب اليوم بعدما أصبح رئيساً. نعم، صار الرئيس حقاً.
لا يخشى كثيرون النوم إنما الاستيقاظ ليكتشفوا أن مغامرات ترامب الرقمية قضت على مدينة، أو أن تسليه بلعبه العسكرية الجديدة بدأ تفاعلاً معادياً لا يمكن عكسه مطلقاً. هل نصدق أن حماية حياة الإنسان على الأرض تشكّل أولوية لشخص يدّعي أن التغير المناخي “خدعة”؟ أو يوجّه لدولة كوريا الشمالية النووية تهديداً مفحماً ومن ثم يتوجه إلى مارالاغو ليلعب الغولف؟
من المفترض أن تكون الحرب الباردة قد انتهت. خنقت عبارات مثل البيريسترويكا، والغلاسنوست، ومعاهدات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، والانفراج النووي الطفولة المرعبة التي عاشها جيل مَن وُلدوا بين مطلع ستينيات القرن الماضي ومستهل الثمانينيات. قبل سقوط جدار برلين أمضينا طفولتنا في كتابة الرسائل التي رجونا فيها قادة العالم نزع السلاح. وبعدما تملكنا الرعب كنا نوضب حقائب تحتوي على المواد الأولية الضرورية للاستمرار لنملأ بها ملاجئ الاختباء من التهاطل النووي البدائية التي أعددناها في باحة منزلنا الخلفية، كذلك سمعنا كل أنواع صافرات الهلاك المحتم الذي توقعته سلسلة Threads على شاشة التلفزيون، وأفلام لا تُعدّ مثل The Day After، وكتب مثل Z for Zachariah، أو الرواية المصورة Where the Wind Blows التي اعتدنا مطالعتها لا كقصة مصوّرة بل كنبوءة مطبوعة عن هلاكنا الوشيك.
تبيّن راهناً أن العهد الذي كان ترامب يسعى إلى استرجاعه، عندما أعلن أنه “سيجعل الولايات المتحدة عظيمة مجدداً”، هو عهد الرعب الذي اجتاح العالم طوال عقدَين من الزمن عقب أزمة الصواريخ الكوبية. صحيح أن خداعه ناخبيه بات اليوم كبيراً جداً وأن من المستحيل تحقيق الكثير من وعود حملته المتناقضة، إلا أن خيانته الاعتقاد أن “الطيف النووي” تجاوزنا يجب أن تتحول إلى مصدر إدانته المطلقة، هذا إذا لم يتوصل ترامب إلى قتلنا كلنا أولاً.
لا أستطيع النوم من جراء ما أراه، سواء أقفلت هاتفي أم لا، فترامب رجل لا خبرة له في مجال الحكم يضع حكومته على الدرب نحو حرب ثلاثية الجبهات. إنه رجل لم يمضِ يوماً في الخدمة العامة ويرغم الشعب على تقديم أبنائه وبناته لصراع عشوائي، وعندما كنت أتكوّر في كوخنا وأعجز عن النوم بسبب ما كان يتملكني من قلقل ليلاً، كان أبي يطمئنني ويكرر: “نحن بأمان هنا… نحن بأمان”.
ما عدت أشعر بهذا الأمان اليوم، أتشعرون به أنتم؟