المئة يوم الأولى لترامب.. ناجحة

مارك ثيسن
يبدو أن حالة من القلق أخذت تجتاح البيت الأبيض مع اقتراب موعد انتهاء فترة المئة يوم الأولى في الحكم بالنسبة لدونالد ترامب، حيث يبحث الآن جاهداً عن إنجازات يمكنه التباهي بها. ولهذا الغرض، يدفع بمجلس النواب حالياً للتصويت هذا الأسبوع على إلغاء قانون «أوباماكير»، ويجازف أيضاً بالتسبب في «إغلاق حكومي» في محاولته لجعل الديمقراطيين يتحملون تكلفة إنشاء جدار حدودي مع المكسيك، بدلاً من مجرد تمرير تمديد لمستويات التمويل الحالية. كما أعلن الرئيس -على نحو ربما فاجأ حتى أعضاء فريقه- أيضاً اعتزامه الكشف عن مخططه للإصلاح الضريبي هذا الأسبوع، قبل أن يصبح جاهزاً تماماً. ولهذا أقول له: تمهل سيدي الرئيس، لا داعي للتعجل. لا تعر المنتقدين اهتماماً، فأنت تبلي بلاءً حسناً!
والواقع أن ما حققه ترامب خلال المئة يوم الأولى من حكمه أهم وأعظم مما حققه أي رئيس آخر خلال العقود الأخيرة: إنه تثبيت القاضي نيل جورستش في المحكمة العليا. والحال أن إنجازات الرؤساء السابقين الأولى كانت في الغالب عابرة، وسرعان ما طواها النسيان. وعلى سبيل المثال، فإن مخطط الرئيس باراك أوباما للتحفيز الاقتصادي لم يعد يتذكره أحد منذ وقت طويل، ومخطط جورج بوش لخفض الضرائب لم يوقع حتى شهر يونيو، كما أنه ألغي جزئياً أيضاً من قبل خلفه. ولكن نجاح ترامب في تعيين جورستش، البالغ 49 عاماً، في المحكمة العليا، سيؤثر على الاتجاه الذي ستسير فيه أميركا لفترة جيل كامل. وبوسع ترامب أن يعتبر كل قرار تتخذه المحكمة بأغلبية خمسة أصوات مقابل أربعة خلال الثلاثة عقود المقبلة، ويسير في الاتجاه المحافظ، بمثابة واحدٍ من إنجازات «المئة يوم الأولى». وفي المقابل، لا يستطيع أي رئيس من الرؤساء الأميركيين المعاصرين الآخرين الادعاء باكتساب هذا النوع من التأثير المستمر في مثل هذا الوقت القصير.
ثم إن ترامب قام أيضاً خلال المئة يوم الأولى بما لم يستطع سلفه القيام به طيلة ولايته الثانية: فرض احترام الخط الأحمر الذي رسمه أوباما ضد استعمال النظام السوري لأسلحة كيماوية. فعندما استعمل نظامُ الأسد غازَ أعصاب ساماً ضد رجال ونساء وأطفال أبرياء، لم يقف ترامب موقف المتفرج، بل تحرك بشكل سريع وحاسم، ومن خلال قيامه بذلك، استعاد مصداقيتنا على الساحة الدولية بعد أن تضررت كثيراً في عهد أوباما.
ثم أكد ترامب هذه الرسالة من خلال إلقاء القنبلة المعروفة باسم «أم القنابل» على مخبأ لتنظيم «داعش» في أفغانستان، ومن خلال إرسال حاملة الطائرات الأميركية «كارل فينسون» والقطع البحرية المرافقة لها إلى شبه الجزيرة الكورية. كما أن قرار ترامب أيضاً ضرب نظام الأسد في اللحظة نفسها التي كان يلتقي فيها مع الرئيس الصيني قد يكون وضعَه على مسار واعد لتحقيق شيء فشل في تحقيقه ثلاثةُ رؤساء سابقون: ضم الصين إلى جهودنا في الضغط على كوريا الشمالية على خلفية برنامجها النووي.
والواقع أن هذه الأشياء لوحدها تجعل المئة يوم الأولى لترامب في البيت الأبيض نجاحاً بيناً، ولكنه يستطيع أيضاً الإشارة إلى إنجازات أخرى من قبيل توقيع مخطط تحفيز اقتصادي، يلغي قوانين كانت إدارة أوباما قد فرضتها. ويقول المنتقدون عادة إن إبطال أعمال الإدارات السابقة لا يرقى إلى إنجاز تشريعي، ولكنني أقول إنه كذلك بالفعل. ذلك أن إلغاء القوانين والقرارات التنظيمية الخانقة لاقتصادنا مهم وأساسي لاستئناف خلق الوظائف في الولايات المتحدة، وترامب يتصرف بشكل حاسم للقيام بذلك.
وبالطبع، ما زال هناك كثير من الأشياء التي ينبغي القيام بها، ولكن هناك الكثير أيضاً من الوقت للقيام بذلك. فالتاريخ لا يحكم على الرؤساء بناء على ما فعلوه خلال المئة يوم الأولى، بل يحكم عليهم بناء على ما فعلوه خلال فترة رئاستهم ككل. وفي ما يتعلق بإصلاح قانون الضرائب، ينبغي لترامب أن يستفيد من درس الجهد الفاشل بخصوص إلغاء «أوباماكير»: ذلك أن لديه فرصاً أفضل في النجاح إذا أخذ الوقت الكافي، وأعده على النحو الصحيح. فبوش الابن، مثلًا، لم يوقع قانون إصلاح التعليم حتى يناير 2002، أي بعد سنة تقريباً على توليه الرئاسة. ولم يعتمد أوباما أيضاً قانون الرعاية الصحية الميسّرة حتى مارس 2010، أي بعد نحو 14 شهراً على وصوله إلى الرئاسة.
وبعبارة أخرى، لا داعي للتسرع. كما أن على ترامب أن يكف عن محاولة تحقيق إنجازات في اللحظات الأخيرة من المئة يوم الأولى، لأنه لن يحدث شيء عندما تنتهي هذه الفترة. وسيظل رئيساً في اليوم 101. كما أن الجمهوريين ما زالوا أيضاً يسيطرون على مجلسي الكونجرس. وخلاصة القول إن ترامب أنجز أشياء مهمة، وما زال لديه كثير من الوقت أيضاً لتحقيق مزيد من الإنجازات.