ظاهرة الاعتداء على الكوادر الطبية في العراق.. الاسباب والمعالجة
احمد الاحمر
تعد ظاهرة الاعتداء على الكوادر الطبية بصورة عامة والاطباء بصورة خاصة من الظواهر التي تزايدت في العراق بعد تغيير النظام في نيسان 2003 واتخذت اشكالا متنوعة من التجاوز اللفظي والاعتداء البدني الى التهديد والمطالبة بالفصل العشائري وصولا الى الاختطاف والمطالبة بالفدية او الاختطاف لاسباب مجهولة واسوئها الحوادث بالغة الاسف التي تعرض فيها عدد من الزملاء الشهداء الى القتل وكان اخرها مقتل الزميل الشهيد الدكتور سليم عبد الحمزة اثناء اداء واجبه الطبي المقدس في عيادته الخاصة كما تنوعت اماكن الاعتداء من البيوت الى الاعتداء اثناء اداء الواجب الرسمي وتقديم الرعاية الصحية للمرضى في المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية و العيادات الخاصة والمستشفيات الاهلية .
ولدراسة هذه الظاهرة فانه لابد من الوقوف على الاسباب التي ادت الى ظهور هذه الظاهرة وانتشارها ولعل اهم الاسباب هو غياب او عدم تفعيل التشريعات الضامنة لحماية الكوادر الطبية وعدم سيادة تطبيق سلطة القانون على جميع افراد المجتمع وعدم كفاية او فعالية الحماية المتوفرة للكوادر الطبية في بعض المؤسسات وكذلك استغلال بعض الافراد لانتماءات معينة كذريعة للتجاوز والاعتداء على تلك الكوادر بدون وجه حق ووجود اعتقاد خاطئ لدى بعض ذوي المرضى بان المضاعفات التي حصلت لمريضهم او وفاته تعود الى تقصير من الطبيب او الكوادر الطبية العاملة في المؤسسة او العيادات الطبية بينما قد تعود المضعفات او حالة الوفاة الى المرض نفسه او الامراض المزمنة المرافقة وكذلك استغلال بعض العوائل لاي مضاعفات او حالة وفات يسببها المرض نفسه وليس الاخطاء الطبية للحصول على تعويضات من خلال المطالبة بالفصل العشائري والتهديد بالاختطاف او القتل علما ان هنالك طرق وضوابط ادارية وقانونية واقسام ولجان فنية متخصصة يمكن لذوي المريض اللجوء اليها لعرض قضيتهم ومن ثم يمكن دراسة الحالة لمعرفة الاسباب الحقيقية وراء المضاعفات او الوفاة و ان هنالك قاعدة مهنية طبية وهي ان مسؤولية الطبيب هي مسؤولية عناية وليس شفاء اي ان واجب الطبيب ان يبذل اقصى جهده وماهو متفق عليه علميا لتشخيص وعلاج المرض بكل ماهو متاح لديه اما شفاء المريض او عدم شفائه او حصول مضاعفات او وفاة نتيجة المرض بعد تقديم الرعاية الطبية العلمية الصحيحة الكاملة فان ذلك شيء لايضمنه ولايتحكم به الا ارادة رب العالمين (واذا مرضت فهو يشفين)
ويجب التاكيد على ان الكوادر الطبية ومنهم الاطباء يمثلون النخبة من الخريجيين ذوي المعدلات العالية ودرسوا لسنوات طويلة مختلف العلوم الطبية وتدربوا في المستشفيات لتشخيص ومعالجة مختلف الحالات الطبية والعمل على مختلف الاجهزة الطبية كما انهم قضوا مدة تتراوح بين (4-8) سنوات اخرى لاكمال الاقامة والتدرج الطبي والحصول على الشهادات العليا كالدبلوم العالي والماجستير والدكتوراه (البورد) وان الاطباء المقيمين الدوريين والاقدمين والخافرين هم الموظفين الوحيدين في قطاع الدولة الذين يعملون لمدة 24 ساعة في اليوم ويبيتون في المستشفى بينما ينهي معظم موظفي الدولة دوامهم في الثانية والنصف ظهرا او يعملون بنظام المناوبات كما ان هؤلاء الاطباء يتقاضون رواتب تتراوح بين (700-1000) دولار امريكي شهريا وهو اقل بكثير من رواتب الاطباء في الدول الاخرى فمثلا يتقاضى الاطباء الجدد في دول الخليج (2000-6000) دولار شهريا وحتى في العيادات الخاصة فان اجور كشفية معظم الاطباء تتراوح من (5000-25000)دينار وهو مايعادل (4-20) دولار فقط بينما تصل اجور العيادات الخاصة اضعاف ذلك في الدول الاخرى ورغم رواتبهم الحالية فان الاطباء يبذلون اقصى جهدهم لتقديم افضل الخدمات الطبية للمواطنين ويجب شكرهم على ذلك بدلا من الاعتداء عليهم علما ان هذه الاعتداءات المتكررة كانت العامل الرئيسي وراء ترك بعض الاطباء لعملهم في العراق وهجرتهم للعمل في بلدان اخرى مما ادى الى حصول نقص في بعض التخصصات الطبية في بعض المؤسسات الصحية وان الاعتداء على الاطباء هو اعتداء على شريحة مهمة من الكفاءات داخل البلد التي يجب المحافظة عليها وكذلك دفعت هذه الحالة بعض المرضى الى اللجوء للعلاج خارج العراق وما يتضمنه ذلك من تكاليف مادية باهضة اضافة الى مشقة السفر
وبعد استعراض الاسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة فانه بالامكان وضع بعض الحلول المقترحة والاليات للحد من ظاهرة الاعتداء على الاطباء وهي:
1. تفعيل سيادة القانون على الجميع وبدون استثناء
2. تشريع وتفعيل القوانين والقرارات والانظمة والضوابط الكفيلة بحماية الاطباء والكوادر الطبية العاملة في المؤسسات الصحية الحكومية والاهلية والعيادات الخاصة وتضمينها عقوبات رادعة بحق المتجاوزين والمعتدين وتعميم ذلك لحماية اي موظف يقدم خدمة عامة في العراق
3. توفير الحماية الامنية الكافية والفاعلة للكوادر الطبية العاملة في المؤسسات الصحية الحكومية والاهلية والعيادات الخاصة
4. التعاون بين وزارة الصحة والنقابات المهنية كنقابة الاطباء والصيادلة واطباء الاسنان ونقابة ذوي المهن الصحية لضمان حماية الكوادر الطبية وحقوقهم ومحاولة حل الخلافات عن طريق الحوار والتراضي اولا داخل المؤسسة اواجراء تحقيقات فنية شفافة تقوم بها لجان فنية طبية وقانونية متخصصة تشترك فيها النقابات وممثلين عن المؤسسات الصحية للتحقيق في شكاوى ذوي المريض للتاكد من تقديم الرعاية الطبية المعتمدة وتحديد وجود الخطا والاهمال الطبي المتعمد وتمييزه عن المضاعفات او الوفاة التي يسببها المرض نفسه او الوفاة الطبيعية ومحاسبة المنتسب الذي يثبت تقصيره و اهماله او محاسبة ومقاضاة من يدعي ادعاء كيدي او يهدد او يعتدي على الكوادر الطبية بدون وجه حق.
5. توعية المجتمع من خلال القنوات الاعلامية والمؤسسات الحكومية والاهلية ومنظمات المجتمع المدني ورجال الدين والوجوه الاجتماعية وشيوخ العشائر بالدور الذي تبذله الكوادر الطبية لخدمتهم وضرورة الابتعاد عن ادخال الاعراف القبلية والعشائرية او اي انتماءات اخرى في النزاعات حول القضايا الطبية وحلها اولا عن طريق الحوار والتراضي داخل المؤسسة بما يحفظ حقوق كل الاطراف او حلها بالطرق القانونية والادارية والفنية التي تقوم بها اللجان المتخصصة والاجهزة الرقابية لاعطاء كل ذي حق حقه وتعويضه ومحاسبة المتجاوزين.
6. تقديم الدعم المالي الكافي للكوادر الطبية وبما يليق بمكانتهم والجهود المضنية المبذولة وتعويضهم عن ساعات الدوام الاضافية لتقديم افضل الخدمات والرعاية الطبية للمرضى ومتابعة احتياجاتهم ومعوقات عملهم وكذلك حث المنتسبين على المشاركة في المؤتمرات و الدورات التدريبية والتطويرية داخل وخارج العراق وتسهيل التقديم للدراسات العليا وتجهيز المؤسسات الصحية بالمزيد من الاجهزة الطبية الحديثة لضمان عدم هجرة الكوادر الطبية وتقديم افضل الخدمات الطبية للمرضى وعدم لجوئهم للسفر للعلاج في الخارج.