استفتاء لمكاسب أكثر

للمرة الاولى، منذ توليه منصبه، يتحدث رئيس الوزراء بصراحة أكبر عن موضوع الاقليم وعلاقته مع باقي العراق ومشاكل الاقليم الداخلية. واضح انه كان يركّز خلال السنوات الماضية على موضوع محاربة داعش وطردها من الموصل ولم يكن يريد فتح نزاعات جانبية رغم أن البعض كان يرى أن تأجيل المواقف قد يرسخ حالات التمادي ويجعلها أمراً واقعا يصعب حلّه. حتى الحرب ضد داعش أفرزت حالات تعاون عربي – كردي يمكن أن تعيد كثيرا من الثقة بين الجانبين، بينها مثلا التعاون العسكري بين الجيش والبيشمركة. الثقة التي يحاول الكثير من أصحاب المصالح تغييبها والايحاء للشارع الكردي ان النظام في بغداد ليس أقل سوءاً على الاكراد من نظام صدام حسين، وأن الكرد لم يحصلوا على شيء منذ العام ٢٠٠٣ حتى اليوم، رغم كل ما تحقق لهم خلال هذه السنوات. لا يخرج موضوع الاستفتاء الذي يريد السيد البارزاني اجراءه في أيلول القادم عن موضوع المصالح هذه والمشاكل السياسية الداخلية في الاقليم، لكنه موضوع لا يمكن لأي سياسي كردي معارضته كي لا يصب في مصلحة شخص أو حزب، فموضوع الدولة الكردية حلم يدغدغ مشاعر كل كردي، ومن العبث تجاهل هذا الحلم وخلفياته التاريخية فضلا عن أبعاده الانسانية.

من هنا فإن أي خطوة يجري الإيحاء بانها تعجّل في تحقيق هذا الحلم لا بد وأن تحظى بتأييد الشارع الكردي البعيد عن الحسابات والمصالح والمناكفات السياسية، حتى وإن تركت آثاراً غير محمودة داخليا وخارجياً، ودون وعي بأن الدعم الداخلي والخارجي قد تكون لاستغلال هذه العاطفة في خدمة مصالح وسياسات ينتهي – بمجرد تحققها – هذا الدعم وينقلب الامر سوءاً على الاكراد أنفسهم. هذه شواهد التاريخ القريب والبعيد تؤكد هذه الحقيقة، وما يجري الان قد يكون تكرار لما حدث مراراً. هنا يبدو الحديث عن الاستفتاء على تقرير المصير أمراً عبثياً، فالنتيجة معروفة ولا تحتاج الى الاستفتاء. عبثية الخطوة تأتي أيضا في القول إن هذا الاستفتاء لا يقصد منه الاستقلال بل دعم الموقف التفاوضي للأكراد مع بغداد. تفاوض حول ماذا؟. جواب مؤيدي الاستفتاء هو: التفاوض حول منحنا المزيد من المكاسب لنبقى ضمن العراق. هذه العبارة هي ما يثير حفيظة الجانب الاخر ويدفعه الى التساؤل: من يجب أن يطالب ومن يجب أن يتنازل؟. البعض الآخر من سياسيي الاستفتاء من الاكراد يقولون ان الصيغة الحالية لم تعد نافعة وان المطلوب التفاوض حول صيغة كونفدرالية للعلاقة بين الاقليم وباقي العراق.

لكن الواقع يشير الى ان ما موجود اليوم هو وضع مثالي للجانب الكردي فيما لو تمتع بإدارة ديمقراطية تستثمر الموارد لمصلحة الناس وليس حزب أو عائلة، فحكومة الاقليم تحصل الان على ميزات الكونفدرالية والفيدرالية في آن واحد، وهي صيغة مفروضة بحكم الامر الواقع، والتراجع عنها سيصب بالتأكيد في مصلحة باقي العراق ولكن بعد تحديد الكثير من التفاصيل الخاصة بانهاء حالات التمادي التي جرت في “ظل” داعش، والتي لا تنتهي عند الاستيلاء على آبار نفط كركوك خلافاً لصريح الدستور الذي جرى انتهاكه بشدة حتى الآن. التعاطي العاطفي مع موضوع الاستفتاء سلباً أو ايجاباً لن يجدي. الموقف المطلوب هو أن يكون على قاعدة: استفتاء واستقلال، والا فلا مجال للابتزاز، ناهيك عن أساس شرعية هذا الاستفتاء ودستوريته، سواء على صعيد الداخل الكردي أو على صعيد الوطن العراقي ككل.