عشائر جنوب العراق مشغولة بالفيسبوك وتجبر الضحايا على دفع الملايين كديات
بغداد – الاعمار :
لم يَدُر في خلدِ جعفر الوائلي من أهالي ذي قار الواقعة 350 كلم جنوب العاصمة العراقية بغداد، أنه سيقع في ورطة عشائرية كبيرة بسبب تعليق له على منشور على فيسبوك، نشرَه أحدهم يتهم فيه أفراداً من إحدى العشائر بإثارة الفتن؛ فما كان من الوائلي سوى التعليق ببضع كلمات كانت وبالاً عليه، حيث قال “كفانا فتناً وإثارة للنعرات العشائرية فالعراق بحاجة إلى قانون”.
ويضيف الوائلي”، “ما هي إلا ساعات قليلة حتى وصلتني تهديدات على حسابي من عدد كبير من الأشخاص من العشيرة التي قصدها البوست الذي قمت بالتعليق عليه في فيسبوك”.
ويتابع “تطور الأمر إلى أكبر من ذلك إذ طرق أشخاص باب منزلي بعنف وحينما فتحت وجدت عدداً من الرجال المدججين بالسلاح ومباشرة قالوا لي حظر عمامك جايينك كوامة”.
والـ”كوامة” باللهجة العراقية تعني “جلسة فصل” عشائري.
فصل عشائري: 5 ملايين دينار
ويتابع قائلاً: “جرت الجلسة العشائرية عند طرف ثالث عند أحد الجيران وبعد شد وجذب بين أعمامي والعشيرة التي طالبتني بالفصل، انتهى الأمر بإجباري على دفع مبلغ 5 ملايين دينار عراقي لما اعتبرته العشيرة تعليقاً مسيئاً لها من قِبلي”.
الوائلي لم يكن ميسور الحال فاضطرت عشيرته لجمع مبلغ “الفصل” عنه وهي عادة لدى العشائر العراقية، إذ يفرض شيخ العشيرة على كل فرد من عشيرته دفع مبلغ مالي حسب قيمة “الفصل”.
قصة الوائلي واحدة من عشرات القصص التي لا تقل غرابة فيما يتعلق بفرض الضرائب بسبب منشورات على موقع فيسبوك، الأمر الذي دفع كثيرين إلى العزوف عن الموقع خشية أن يضغط على علامة “إعجاب “like” بالخطأ على منشور قد تعتبره إحدى العشائر إساءة لها فيضطر لدفع “فصل”.
شيوخ العشائر من جانبهم لهم رأي في هذه قضية دفع الفصل سبب مواقع التواصل الاجتماعي، فبعضهم يعتبرها حالة متخلفة بسبب غياب القانون والبعض الآخر يعتبرها حالة صحية لردع من يصفونهم بـ”متسكعي الفيسبوك” حسب وصفهم.
الشيخ حسن الميساني من مدينة ميسان (360 كلم جنوب شرق بغداد) يقول لـ”هاف بوست عربي”، إن “العشائرية” دخلت في كل تفاصيل المجتمع العراقي بسبب غياب القانون، ووصلت إلى مواقع التواصل الاجتماعي.
ويضيف: “حضرت بنفسي العديد من الفصول العشائرية بسبب فيسبوك كان بعضها مثيراً للسخرية والآخر تسبب بمشاكل وصلت إلى التهديد بالقتل”.
10 ملايين دينار بسبب كلمات غزل
ويروي الشيخ الميساني بعض مشاهداته التي حضرها بنفسه، ويقول “دعيت إلى فصل عشائري في مدينة العمارة وحينما استفسرنا عن سبب المشكلة تبين أن أحد الشباب على فيسبوك نشر كلمات غزل على صفحته الشخصية ولم يذكر أي اسم لأي بنت، لكنه في التعليقات تحاور مع صديق له يعرف بقصة حبه لإحدى بنات المنطقة”.
ويتابع: “بسبب الحوار الذي دار بينهما عرف أحد أقارب البنت بالقصة فأوصلها إلى ذويها ووصل الأمر إلى التهديد بالقتل، لكن الأمر انتهى بمطالبة الشاب بدفع فصل عشائري بقيمة 20 مليون دينار عراقي وبعد تدخل كبار السن وشيوخ العشائر خفض المبلغ إلى 10 ملايين دينار”.
ويتحدث الميساني -=عن بعض قوانين العشائر فيما يخص “فيسبوك” مبيناً أن “علامة اللايك أوالتعليق المسيء تفرض على صاحبها دفع فصل قيمته لا تقل عن 5 ملايين دينار، أما البوست المسيء فيصل مبلغ الفصل فيه بين 10 – 20 مليون دينار حسب نوع الإساءة وهذا الأمر أصبح شبه متعارف عليه مؤخراً”.
لكن الميساني يعترف في ذات الوقت بأن هناك شيوخ عشائر “وهميين” كما وصفهم يستغلون جهل الشباب بالأعراف العشائرية ويلاحقونهم على مواقع التواصل لرصد زلاتهم في محاولة لإيقاعهم في شباك “الفصل العشائري” وابتزازهم بمبالغ كبيرة من المال.
ودفعت هذه الحالة بكثير من الناشطين والكتاب، إلى فتح صفحات بأسماء مستعارة على فيسبوك لتسهيل مهمتهم في انتقاد العادات والتقاليد والسلبيات العشائرية والمجتمعية، دون الخشية من ملاحقة عشائرية.
ومع اتساع رقعة استخدام الإنترنت في العراق بعد عام 2003، دخلت البلاد عالم الشبكات الاجتماعية بما فيها موقع فيسبوك بشكل واسع بحدود عامي 2007 – 2008، وحصلت أول قضية “فصل عشائري” في البلاد عام 2013 بقيمة 20 مليون دينار عراقي.
تبع ذلك فصل عشائري آخر عام 2014 بقيمة 25 مليون دينار عراقي بسبب بوست نشره أحد الأشخاص على فيسبوك انتقد فيه عدداً من أفراد إحدى مناطق ذي قار جنوب العراق.
ولم يقتصر الأمر على الأعراف العشائرية فقد صدر عام 2013 حكم قضائي بحق شاب عراقي بالسجن ثمانية أشهر بتهمة الإساءة إلى فتاة عبر فيسبوك بعد أن رفع ذووها دعوى قضائية ضده في المحكمة.