وللكهرباء في العراق شجون
ثاني أكبر قضية تشغل الناس في العراق بعد غياب الأمن والأمان، هي نقص الطاقة الكهربائية وتذبذب سريانها، حتى أمست الشغل الشاغل للعراقيين، وعنوانا يوميا لأحاديثهم، وبين الكهرباء “الوطنية” ومولدات الطاقة الكهربائية تتوزع أحاديث الناس، حتى غدا العراقيون من أكثر الشعوب معرفة بشؤون وشجون الكهرباء وأصبحت أقسام هندسة الكهرباء في الجامعات من أكثر الاختصاصات التي يقبل عليها الطلاب، وزادت محلات شراء وتصليح المولدات وتجارتها في العاصمة وسواها بصورة مذهلة، في ظل ميزانيات حكومية فاقت المئة مليار دولار أميركي لحل تلك الأزمة التي تتوالد كل يوم لتكون مصدر عيش للكثيرين بقدر ما هي مصدر تعاسة للناس جميعا، وضغط على ميزانيات الأُسر واضطرارها لشراء “الأمبيرات” من مولدات الأحياء السكنية المنتشرة في عموم المدن والقرى العراقية، وباتت تجارة رائجة وسوقا كبيرة، وفق المثل العربي “مصائبُ قوم عند قوم فوائدُ”.
فلقد تغير وجه المدن بوجود تلك المولدات التي أضحت الحل الشعبي للأزمة، ويزداد الطلب عليها كلما زاد لهيب الصيف، وعلت درجاته، حتى ابتكر العقل العراقي أشياء لا تخطر على بال لجلب الهواء البارد من نصب المبردات إلى المراوح، حتى وضع شبكة من الشوك المبرد بالماء على الشبابيك بمواجهة الريح، ورش الحدائق بصورة دورية من قبل أفراد العائلة، إلى ملء المولدات بالكاز، تلك المولدات المنقذة اللعينة، تشق أصواتها هدوء الظهيرة كما تبدد سكون الليل وأخرجت الناس من عصر الهدوء والسكينة من زمان، وامتلات الشوارع والأزقة بكتل من حديد، من شتى المناشئ وهي تنفث عوادمها في فضاء المدن لتخّرب حياتهم، بدخانها وسط حرارة الجو اللاهبة التي تفقدهم أعصابهم وتجعلهم يصبون جام غضبهم على اللصوص والفاسدين ممن سرقوا نعمة الكهرباء بمشاريع وهمية بدأت ولن تنتهي.
حدثني وزير سابق للكهرباء وهو مختص ويحمل شهادة الدكتوراه، بأنه كاد يتوصل إلى حل لمعضلة الكهرباء في العراق نهائيا، بالاتفاق مع شركة أميركية عملاقة، وقدم المشروع إلى مجلس الوزراء وقتها، لكنه واجه معارضة لا تصدق من زملائه في المجلس لرفض المشروع جملة وتفصيلا، لأسباب يوجز وضعها حينها، في أنه كمن ضرب مصالح مسؤولين نافذين، لتبقى الأزمة ويطرد الوزير.
المضحك المبكي أن مسؤولا عراقيا كبيرا، كان يجري لقاء مع قناة محلية، وفجأة توقف البث وحين عاد بعد ثوان قال “مو بس الناس تنقطع عنهم الكهرباء المنطقة الخضراء كذلك”، متضامنا مع شعبه الصابر!