عن زيارة الصدر للسعودية
عبد الحليم الرهيمي
اذا كانت زيارة رئيس الوزراء حيدر العبادي الى السعودية في 20 حزيران الماضي قد مثلت اختراقاً دبلوماسياً وسياسياً حكومياً (رسمياً) لتعزيز وتوطيد العلاقات بين العراق والسعودية ، فان زيارة السيد مقتدى الصدر اليها في 30 تموز المنصرم قد مثلت ، بدورها ، اختراقاً سياسياً واجتماعياً مهماً واضافياً لتحسين العلاقات بين البلدين .
لقد قيل وكتب الكثير حول هذه الزيارة سواء داخل العراق او خارجه واطلقت مختلف التحليلات والتفسيرات عنها ومختلف المواقف الايجابية والسلبية ازاءها وافتراض جملة من الأسباب والدوافع والاهداف المتباينة التي تقف وراءها والتداعيات التي يمكن ان تسفر عنها على الصعيد الوطني والاقليمي .
لكن ، ومهما قيل وسيقال في تقدير أهميتها او في نقدها والاعتراض عليها ، فانها حظيت باهتمام سياسي واعلامي بارز على الصعيدين المحلي العراقي والخارجي وأنها تمثل بذاتها ، حدثاً سياسياً واجتماعياً له دلالاته وابعاده المؤثرة التي لا يمكن التقليل من شأنها ، وذلك فضلاً عن أنها تكمل في الواقع مساعي رئيس الوزراء العبادي ، سواء تمت بالتنسيق معه (وهو الامر المرجح) ام بدون ذلك ، كونها تنسجم وتتوافق اساساً مع سياسة الانفتاح على المحيط العربي والاقليمي والتصالح معه ، وهي السياسة التي بدأ العبادي بانتهاجها منذ تشكيل حكومته في ايلول 2014 وابداء الرغبة او السعي العملي لفتح صفحة جديدة في سياسة العراق الخارجية تكون نقيضة للسياسات التي اتبعتها ومارستها معظم الحكومات المتعاقبة في الفترات السابقة.
لقد تم تناول وتقييم هذه الزيارة على الصعيدين الداخلي والخارجي برؤى مختلفة ، فبينما يرى سياسيون واعلاميون انها زيارة تصب في مصلحة العراق والسعودية فضلا عن مصلحة المنطقة اذا ما قامت بغداد والرياض على مواصلة تعزيزها باللقاءات وبسعي الجانبين الرسمي والشعبي في البلدين على تجسير العلاقة بينهما على اساس المشتركات ، بينما يرى سياسيون واعلاميون آخرون ، خاصة في العراق ، ان السيد مقتدى الصدر قد ارتكب خطأ كبيراً بزيارته هذه للسعودية واجتماعه الى نائب ونجل وولي عهد الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز وذلك لما للسعودية ، حسب رأي هؤلاء ، من دور في دعم الارهاب وفي معاداة المسلمين الشيعة في العراق وعموم دول المنطقة ، فضلاً عن معاداة ايران جار العراق وحليفه الداعم له في مختلف المجالات . واذا كان لبعض هؤلاء المنتقدين لزيارة الصدر أو المعترضين عليها الحق في اتخاذ هذه المواقف والتي يعتقد ان السيد الصدر نفسه لا يعترض عليها طالما بقيت في حدود الاعتراض وابداء الرأي ، الا ان الانتقادات الحادة والجارحة لهذه الزيارة وللسيد الصدر ، وكذلك لزيارة العبادي قبلها ، واستخدام لغة تسقيطية هابطة وجنود جيش الاعلام الالكتروني بما يساعد في خلق فوضى في الافكار والمواقف المتشدة التي تحجب الرؤية الهادئة المطلوبة لمناقشة وتحليل هذه القضية ، واي قضية سياسية مهمة اخرى تؤثر بشكل أو بآخر على الوضع السياسي العام .. هي انتقادات ومواقف تعتبر مرفوضة وغير مقبولة ولا تقدم رؤى صائبة تأخذ في الاعتبار المصالح الوطنية للعراق وشعبه . اولاً وقبل اي شيء آخر يتقدم عليها خدمة للمصالح الحزبية والفئوية والطائفية والمصلحية أو لخدمة اجندات خارجية على حساب تلك المصالح الوطنية .
لذلك ، وبعيداً عن المواقف الخلافية ، بل وحتى العدائية من السيد مقتدى الصدر بعض او كل مواقفه وممارساته ، وكذلك بعيداً عن المواقف المسبقة من السعودية ، كنظام سياسي وكمؤسسة دينية ليست على وئام دائم مع هذا النظام ، ينبغي النظر بتمعن وبحرص وبروح وطنية لهذه الزيارة ، ولزيارة العبادي قبلها ، انطلاقاً من طرح السؤال التالي : كيف والى اي مدى يمكن ان يفيد توجه الحكومة العراقية على هذا الصعيد لتحسين وتوطيد علاقة العراق بالسعودية ، وكذلك زيارة السيد مقتدى الصدر الأخيرة اليها ؟ لاشك ان التمعن في اهمية تعزيز العلاقات العراقية السعودية انطلاقاً من المصالح الوطنية للعراق والتي يمكن ادراج اهمها بالتالي :
اولاً : حاجة العراق القصوى في ظل ظروفه المالية والعسكرية الى اوسع العلاقات السياسية وعلى مختلف الصعد مع دول الجوار الجغرافي وخاصة مع السعودية وايران وتركيا وليس مع احداها دون اخرى.
ثانياً : حاجة العراق وشعبه للدعم الخليجي والسعودي في اعادة اعمار العراق ، وربما تكون اولى الدول التي يتقدم اليها العراق لطلب هذه المساعدة بل ربما دعوتها لتتصدر اعلان (مارشال عربي) على غرار (مشروع مارشال) لمساعدة اوروبا بعد الحرب العالمية الثانية .
ثالثاً : حاجة العراق الى للدعم الاقليمي – السعودي – الدولي لمساعدة النازحين من حرب داعش في اعمار مناطقهم واعادتهم الى ديارهم .
رابعاً : ما سيسفر عن تعزيز وتوطيد علاقة العراق بالسعودية من كسر حدة الخلاف المذهبي بين المؤسسة الدينية السعودية وشيعة العراق والمنطقة ، بما يساعد على خلق الاجواء والظروف المناسبة للتفاهم والحوار والتوافق على المشتركات وعزل قوى وعوامل التشدد والتعصب والاختناق .
خامساً : انعكاس تلك الأجواء وابعادها بشكل ايجابي على الوضع السياسي في العراق باتجاه وقوف السعودية على مسافة واحدة من مكونات الشعب العراقي وانهاء حالة الاستقطاب الضارة لبعض الاطراف على حساب الاخرى بما يربك الاوضاع والعملية السياسية في العراق.
[طباعة]