العراق السياسي وفرقاء الأزمة

عــلــي حــســن الفــواز
مايثيره الجدلُ السياسي بين الفرقاء العراقيين يثير هو الآخر جدلاً أكثر سخونةً وغموضا، وأكثر التباسا حول ملفاتٍ مفتوحة، وباعثة على الاثارة، فالملفُ الانتخابي والملف السياسي والملف الأمني كلّها مدعاةٌ لحوارات جادة، ولمعالجات ضرورية، تتطلب جهدا عميقا، واحيانا تحتاج الى صراحة ومواجهة واقعية.
ولعل مايُثار الآن بين عديد الفرقاء حول الموقف من الحشد الشعبي، وحول قانون انتخاب المحافظات والاقضية، وحول استفتاء اقليم كردستان، وحول طبيعة علاقات العراق الاقليمية والدولية يكشف عن هذا الواقع المُلتبس، وعن أسئلته الإشكالية، وعن آفاقه، وسطَ غيابٍ واضح للحديث عن تعدد الخيارات، والأطر الحقيقية لترسيم هوية وحدود الدولة العراقية الجديدة.
هذه الملفات المأزومة هي الرهان العراقي القادم، وهي المحاور التي تحتاج الى مهنية السياسي المُحترِف، والى القدرة والتمكين على إيجاد السياقات التي تكفل وضع حوار الفرقاء في مجرى الدولة الوطنية، وليس بعيدا عنها، أو اخضاعها الى سياسات المحاور والأجندات التي تفرض شروطها على تمثلات الواقع السياسي العراقي.
من هنا بات من الصعب فرض شروط مُسبقة على أيٍّ حوار وطني، وعلى خيارات يمكن اخضاعها للنقاش، وعلى وفق المصالح الوطنية، انطلاقا من شرعنة الحقوق للجميع، وللأطر الدستورية، التي حددت هوية الدولة والعلاقات المكفولة بين السلطات، وكيفية حمايتها، والتعاطي مع مشكلاتها، مع مراعاة نتائج ما بات واقعا على الارض، لاسيما بعد الانتصارات الكبرى التي حققتها القوات الامنية والحشد الشعبي في تحرير المدن العراقية، الذي يعني أنّ مفهوم الدولة الوطنية القوية سيكون هو القاسم المشترك الذي ينبغي الوقوف عنده، وباتجاه تكريس تقاليد سياسية وثقافية لهذه الدولة، ولحقوق الجميع ضمن مؤسساتها، ومنظوماتها الحقوقية والسياسية والاقتصادية والأمنية.

فرقاء الأزمة
ينظر (البعض) من السياسيين الى الواقع العراقي وكأنه واقعُ أزمة دائمة، وأنّ معالجة مشكلاته لا تأتي إلّا من الخارج، أو عبر تحقيق مصالح هذا الطرف أو ذاك على حساب المصالح الوطنية الجامعة، وهذا مايمنح هؤلاء السياسيين صفة (فرقاء الأزمة) الذين لايضعون في حسابهم خطورة تلك الأزمة، وحجم تأثيرها في الجميع، وفي مستقبل العملية السياسية في العراق، وفي أفق علاقاته المتوازنة مع المحيط الاقليمي والمحيط الدولي.
تضخيم الأزمة من قبل هذا(البعض) يكشف عن وجود أجندات سرية، وعن حسابات تستثمر الصراعات لأغراض مشبوهة، أو ربما للعمل على خلق بؤر صراعية هنا أو هناك.. فرغم ما أحدثته عمليات تحرير الموصل من وقائع جديدة، ومن معطيات أكدت فشل تلك المشاريع والأهداف، إلّا أنّ هناك بعضاً آخر مازال يُفكّر بطريقة ضدية، ويضع حساباته ومصالحه أولا، وربما يستغل ظروف الصراع ليفرض المزيد من الشروط على الآخرين، وعلى الحكومة الاتحادية.
إنّ ماتجلى واضحا في النقاشات الحادة خلال جلسات مجلس النواب حول قانون الانتخابات يؤشر واحدة من أخطر الأزمات التي تهدد العمل الديمقراطي، إذ انّ سعي (البعض) المحموم لفرض المزيد من الهيمنة، سيكون سببا في منع عديد من القوى السياسية، والمدنية بشكلٍ خاص من المشاركة الفاعلة والحقيقية في العملية السياسية، لأنّ هيمنة الكُتل السياسية الكبرى على وفق التعديل الاخير في قانون سانت ليغو الانتخابي سيخلق واقعا كارثيا، يعيد انتاج سياسيي الأزمة، ويكرّس كثيرا من مظاهر الفساد، ويعمّق مايسمى(تدوير) الخطاب السياسي النمطي، مثلما سيُضفي أعباءً أكثر تعقيدا على العمل البرلماني، إذ ستجد الكتل التقليدية فرصتها في فرضِ مزيد من التعقيدات، والمهيمنات على أفق السياسة العراقية، ومنع أيٍّ مسعى لتوطيد أركان الدولة المدنية بعيدا عن النظرة العصابية، وقريبا من الاهداف التي تعمل على تعويم مفاهيم التنوع والتعدد، وقسر أيٍ تداول حقيقي للحقوق والحريات، بما فيها حرية التعبير والتظاهر والانتماء، وحق الحصول على المعلومات وتداولها، والتعاطي مع قيم العدل الاجتماعي بوصفها حقوقا طبيعية ودستورية للانسان العراقي…
[طباعة]