مشاريع بناء العقول
عبدالزهرة محمد الهنداوي
الصدفة وحدها قادتني إلى لقاء جمعني بسيدة بريطانية من أصل عراقي ، كانت في زيارة إلى بغداد ، وعلى الرغم من أنها لا تحمل أي وثيقة تدل على عراقيتها ، إلا اني وجدتها تفيض حبا للعراق وتتقطع ألما لما وصلت إليه الأحوال بسبب الارهاب والفساد والمحاصصة والطائفية، لاسيما في مجال التعليم .. وتحدثني تلك السيدة بحرقة ولوعة قائلة: أنا عراقية كردية ولكني أعشق بغداد إلى حد الوجد واسعى بكل ما أملك من امكانية لخدمة هذه العاصمة الجميلة على الرغم من كل مآسيها .. وتواصل محدثتي حديثها ، لتعبر عن حزنها العميق وأسفها الكبير لوجود من يسعى لإبقاء بغداد حزينة تعاني الامّرين من خلال وقوفهم ضد اي محاولة او مشروع من شأنه أن يجعل من بغداد أكثر جمالا وألقا .. وعلى الرغم من عشقها لبغداد إلا انها بدأت تشعر بأنها ارتكبت جريمة بشعة عندما سعت إلى الشروع بمشروع يخدم التنمية في العاصمة ويفتح آفاقا رحبة للاستثمار الاجنبي في عموم العراق ، ولكن –كما تقول- تصدى البعض للمشروع لتبقى هي رهينة المراجعات بين دوائر وزارة التربية وأقسامها لكون المشروع يرتبط بالوزارة ..
وحين أسألها عن طبيعة هذا المشروع الذي تسبب لها بكل هذا الحزن جعلها تشعر بالندم لأنها عشقت مدينة لم تبادلها العشق ذاته ، يتبين لي من خلال اجابتها وبلغتها العربية الجميلة ذات اللكنة الكردية المحببة التي لم تتأثر باللغة الانكليزية على الرغم من أن ولادتها كانت هناك في لندن ، إن المشروع يتمثل بافتتاح مدارس بريطانية في بغداد وبمواصفات عالمية عالية المستوى ومن شأن هذه المدارس ان توفر فرصا تعليمية راقية لأبناء المستثمرين الاجانب ، فضلا عن العراقيين .
وإذ أفكر بمشروع من هذا النوع ، أجده فعلا مشروعا مهما ينبغي التفكير به جديا ، لاسيما في ظل التوجه الحكومي نحو فتح الابواب امام الاستثمار الاجنبي خلال المرحلة المقبلة لأننا نتحدث عن خطة كبيرة لإعادة اعمار المناطق المحررة ، ومن المؤكد ان المستثمر الاجنبي عندما يتوجه إلى دولة في العالم فانه يضع في اولوياته تعليم ابنائه ، فان وجد المدارس المناسبة فانه سيتشجع اكثر ويقدم على الاستثمار ، ولان العاصمة بغداد تخلو من المدارس الاجنبية فان الامر يتطلب تنفيذ مثل هذا المشروع ، وطالما يوجد من هو على استعداد لتنفيذه ، فاعتقد ان على وزارة التربية دعم صاحبة هذا المشروع التي نجحت بإنشاء 4 مدارس بريطانية في اقليم كردستان يتعلم فيها الكثير من ابناء المستثمرين الاجانب وهي بالتالي تمثل موردا اقتصاديا، فضلا عن كونها تمثل صروحا مهمة في مجال التعليم ، كما أن التعليم في العراق أصبح بحاجة إلى من ينافسه بعد حالة الإرهاق التي تعرض لها خلال العقود الأخيرة .
ولكن يبدو أن وزارة التربية ومن خلال حديث السيدة البريطانية ذات الأصل العراقي لم تتعامل مع المشروع بجدية، فهي تقول أنها قابلت وزير التربية منذ ثمانية اشهر ووعدها خيرا ، إلا أنها لم تلمس شيئا على الرغم من مئات الرسائل والمخاطبات مع الوزير والوزارة ، ومرت اشهر وهي تنتقل من قسم إلى قسم في الوزارة تضطرها إلى الجلوس ساعات طويلة في بعض الأيام بانتظار توقيع من هذا المدير أو ذاك المسؤول.
علينا أن نتمسك بأهداب أي مشروع من شأنه أن يعطينا دفعة ايجابية في مفاصل الحياة المهمة وفي مقدمتها التعليم، فكما هو معلوم أن الدول المتقدمة ما كان لها أن تنمو وتتقدم لولا إيلاؤها الاهتمام والأهمية الكبيرة للتعليم .. علينا الاستثمار في التعليم ، لأنه يمثل المفتاح الحقيقي لازدهار الحياة بجميع تفاصيلها ومفاصلها ، فبناء العقول يجب أن يكون أولا وقبل كل شيء .