بعيداً عن المهاترات.. أين أمننا القومي؟

رئيس التحرير*
لم تهدأ عاصفة الانتقادات العراقية والخارجية لصفقة اخلاء مقاتلي داعش لمناطقهم مقابل نقلهم الى أماكن يتواجد فيها رفاقهم شرق سورية قريباً من الحدود مع العراق
حتى خطاب الأمين العام لحزب الله لم يكن مقنعاً للعراقيين الذين أحسوا ضعف قادتهم وعدم قدرتهم على ان يكونوا محترمين عند من يدعمونهم سياسياً.
نحن في هذا المقال لا نتساءل ولا ندخل في مهاترات التخوين وغيرها، لكننا نريد طرح سؤال جوهري: أين أمن العراق القومي؟
عام ٢٠١٤ وبعد تمدد داعش اثر صدمة الموصل وصلت بعض كتائبها لمناطق في محافظة ديالى، الامر الذي لم يرق لإيران الجارة وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية محذراً تنظيم داعش من “مغبة” الاقتراب ٤٠ كيلو متراً من الحدود الايرانية، وأضاف حسين عبد اللهيان ايران يجب ان تحافظ على أمنها القومي.
وقبلها بعامين قال رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي معلقاً على الحراك المسلح في سوريا ودخول تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وقتذاك الى سوريا وتغيير اسمه الى تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام والذي اختصر بعد ذلك “داعش” قال حينها نوري المالكي: “ان العراق يجب ان يقف مع الحكومة السورية كي يحافظ على أمنه القومي، متناسيا اتهامه الرئيس السوري قبل اشهر فقط بانه وراء التفجيرات التي طالت وزارة الخارجية العراقية ومهددا برفع دعوى قضائية دولية ضد النظام السوري”.
لماذا إذن يتم اغفال الأمن القومي العراقي حين ينقل اكثر من 300 مقاتل ارهابي الى منطقة سورية محاذية للحدود مع العراق! ولماذا لم يحرك اي سياسي ساكناً ازاء هذا الإجراء دفاعاً عن امننا القومي.
بدءاً دعوني اعرّف الأمن القومي.
الأمن القومي ” National Security” هو قدرة دولة ما على تأمين استمرار قوتها الداخلية والخارجية لمواجهة الاخطار التي تهددها من الداخل والخارج في حالتي السلم والحرب. ويتأثر الأمن القومي وفق متخصصين بمشكلات مصدرها البيئة الدولية او الإقليمية قد تعيق تنفيذ المصالح الحيوية للدولة. بل ان البعض يشرك الأمن القومي حتى بقدرة الدولة على تنفيذ مصالحها على الصعيد العالمي، الامر الذي يجعل من الدولة تخطط لاستراتيجيات قومية، تتعلق بجغرافية ما بعد حدود الدولة.
إذن هل من المعقول ان يخرج على العراقيين رجل يتهم من يشكك بصفقة “داعش-حزب الله” بانه “جاهل”؟.
نحن نعتقد ان العراق ما زال يخضع في أمنه القومي الى جزء من تطبيقات بعض دول الجوار الامر الذي يجب ان تكون الحكومة اكثر صراحة فيه وتتحدث فيه بشكل يليق بعقل العراقيين، وبدلاً من اتهام العراقيين الذين يأخذهم الحيف لما آلت اليه أمور بلدهم، يجب ان نتحدث بصراحة ونقول ان الاتفاق جرى بعد ان حسب وضع كل الأطراف المعنية دون العراق، وحسب التفصيل التالي:
إرهابيو داعش لم ينقلوا الى أدلب كما جرت العادة مع القوات التابعة للحكومة السورية في اتفاقاتها مع بعض فصائل المعارضة لان مدينة أدلب وريفها تقع الان تحت سلطة جبهة فتح الشام “النصرة” وهم في قتال صريح مع داعش، لذلك حُسب حساب داعش في نقلهم الى مناطق يتواجد فيها مقاتلين لداعش.
حزب الله أنجز الصفقة ليكون صاحب فضل بالكشف عن 14 أسير لبناني وجثة مقاتل إيراني كان قد قتل في مواجهات الحزب مع داعش في مرتفعات عرسال، لذلك أراد حزب الله ان ينجز المهمة بشكل لبناني وطني وحسب.
الحكومة السورية حسبت حسابها حين اقتنعت بان هذه الصفقة كسابقاتها التي تحصر الإرهابيين في أماكن بعيدة عن “سورية المفيدة” وبالتالي فلا ضير من تواجدهم شرق البلاد المكتظ بالامريكان ومن يتلقون الدعم من الولايات المتحدة.
ولم يتبق من الأطراف المعنية الا العراق الذي استقبلت حدوده مع سورية 300 مقاتل وصفهم الأمين العام لحزب الله بأنهم مكسورون ولم يعودوا قادرين على القتال.
كما وصف رئيس الوزراء السابق نوري المالكي هروب سجناء ارهابيين في سجن ابي غريب بأنهم سيتسربون ولن يكونوا خطرين على أمن البلاد.
وسواء نجحت عملية نقل الإرهابيين من عرسال الى البوكمال او الى المياذين السوريتين فإننا نسجل غياب اي ذكر لسياسي عراقي لأمنه القومي، سواء من قبل الرافضين لهذه الصفقة او من الذين يدافعون عنها.
ومع غياب الوعي القومي عند اصحاب القرار في العراق يكون الأخير جزءاً من الأمن القومي “الإيراني” لكنه للأسف يعد بالنسبة للإيرانيين رقماً ثالثاً او رابعاً بعد سورية ولبنان واليمن، وربما يأتي بعد البحرين حتى.

*محمد السيد محسن