الإستفتاء.. هروب للأمام

محمد السيد محسن*
معاكساً الجميع بودّي ان أتناول قضية استفتاء اقليم كردستان العراقي للانفصال من وجه اخر ، وهو الوجه المسكوت عنه بين حكومة الإقليم والمركز.
لحد الان لم يجرؤ احد من اصحاب القرار في بغداد او اربيل ان يكون شفافاً ليقول الحقيقة لماذا طالب مسعود بارزاني بالاستفتاء؟ هل بسبب مشكلات مالية؟ ام بسبب تنازع ارض؟ ام بسبب حلم طال لقاؤه؟
هل يستطيع مسعود بارزاني ان يتحدى امريكا وفرنسا والاتحاد الأوربي والامم المتحدة وإيران وتركيا ليقول: سنمضي للاستفتاء وليحدث ما يحدث!!
هل ان قرار الاستفتاء جاء بعد ان استنفذ الأكراد كل السبل في العيش تحت راية عراقية واحدة وهم المنعمون “كما يرى البعض” في إقليمهم بالامان !!!
لماذا لا يصرح صاحب قرار في بغداد عن الوعود التي أعطيت لبارزاني ولم يتم الإيفاء بها؟
عام 2011 أغدق نوري المالكي بحفنة وعود لبارزاني من اجل ان يوافق الأخير على تمديد ولايته الثانية .. وبعد ان وصل الى كرسي رئاسة الوزراء نكص بكل وعوده.
وبعدها بعامين فقط، شاكس الإقليم بتصدير ما قيمته 500,000 خمسمائة الف برميل يومياً دون ان يودع مبالغها الى الخزينة المركزية، ما حدى بالمالكي بقطع حصة الإقليم من الموازنة.
استمر الإقليم بتصدير ذات الرقم من حدوده الرسمية، لكن نفطاً اخر كان يصدر وبشكل يومي من اكثر من 13 منفذ حدودي وتتقاسم واردات التصدير “غير الرسمي” عائلات سياسية كردية فقط دون ان تدخل خزينة الإقليم أية مبالغ لا من النفط المصدر جهاراً ولا الاخر المصدر خفية. هذا الامر سجله بعض الناشطين الأكراد وما زالوا يستندون اليه في رفضهم لمشروع الانفصال على أساس انه سيرسخ سلطة عائلة ما في الاقليم ويصادر الحريات.
وبالتالي فان رجالات “ونساء” في الاقليم يحاولون جاهدين الضغط على الحكومة المركزية بالتلويح بالاستفتاء وإعلان انفصال المحافظات الثلاث المنضوية تحت الاقليم من العراق .. كي يحصلوا على ما يبتغونه من مغانم جديدة أهمها: غض الطرف عن كل الصادرات النفطية التي حصلت بدون إذن المركز والبدء من جديد.
الاقليم الذي رفض مراراً ادخال البيشمرگة ضمن المنظومة الأمنية للعراق ويسعى دائما للمطالبة برواتب لها من ميزانية الدولة لا تتضمنها نسبة الاقليم من الموازنة والبالغة 17% ما زال يلوح بهؤلاء البيشمرگة كورقة تحدٍ جديدة في الدفاع عن مشروع الاستفتاء.
اما الرئيس المنتهية ولايته مسعود بارزاني فقد نجح في تحويل قضية رئاسته المشبوهة وفق أغلبية برلمان كردستان .. وادار البوصلة نحو حلم كردي لم يستطع رفضه حتى من انتقدوه سابقاً واتهموه بتشبثه بكرسي رئاسة الاقليم .. تحول هذا الرجل في الفضائيات العربية والعالمية الى قائد قومي يسعى لتحقيق احلام شعبه .. فيما ما زال الاختلاف معه قائماً في الداخل الكردي حتى وان “سلق” برلمان كردستان قرار الموافقة على الاستفتاء في جلسة شابها الكثير من الشكوك حول شرعيتها.
اما من الجانب الاخر فترى ان حكومة المركز تعالج اخطر ما يهدد وحدة البلاد باخطاء وباتكاء على الخارج الإقليمي والعالمي.
فإما الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة فان على رأسها تصويت برلمان العراق على اقالة محافظ دون الرجوع الى اي نص دستوري يسمح للبرلمان بهذا الشأن .. وبدلاً من ان تلجأ السلطة التنفيذية “الحكومة” الى السلطة القضائية باستصدار قرار الاقصاء لمحافظ خالف النصوص القانونية .. فتكون بمنأىً عن الخطأ، تراها لجأت الى الاستعراض السياسي من خلال التصويت في البرلمان الامر الذي عد خرقا دستوريا من قبل مشرعي العراق.
واما الاتكاء على ردود الأفعال الخارجية فقد تركت الحكومة شان الاستفتاء للتصريحات الاعلامية دون ان تفتح حوارات صريحة وجادة مع حكومة الاقليم ودون ان تكون صريحة مع شعبها بطرح مطالب الاقليم، ودون ان يتحدث اصحاب القرار عن الدوافع الأساس التي دفعت الأكراد لفك الارتباط بالدولة المركزية وسعيهم للانفصال.
فاعتمدت على ما يدعى “الخطر القومي الإيراني والتركي” والذي تكفلت به الدولتان فقامتا بالاجتماعات الثنائية دون العراق، اجتماعات في طهران وأنقرة لم تهتم بالحكومة العراقية.
ولم يتم مفاتحتها في اي قرار قد تتخذه الدولتان دفاعاً عن أمنهما القومي الذي يهدده انفصال الاقليم عن الوطن.
الحكومة أدارت رأسها لهرم المشكلة والتفتت لاعلام التيارات الضيقة التي تسعى دائماً لارسال رسائل مفادها انها هي القادرة على حل مشكلات العراق وليست الحكومة.
ولا ادري من نصح رئيس الوزراء الاعتماد على تهديدات دول الجوار للإقليم وتهديدات الفصائل التي ينطوي بعضها تحت تشكيلات الحشد الشعبي للإقليم!
خاتمة القول: استفتاء الاقليم محاولة هروب للأمام لاصحاب القرار في اربيل وبغداد.
ولو كانت القلوب نزيهة عند اصحاب القرار لكانوا اكثر صراحة مع شعبهم.
فلا مناص من مراجعه شاملة، والتحلي بشجاعة الاعتراف بالأخطاء، والبدء بمناقشة عهد عراقي جديد تشرف عليه جمعية وطنية جديدة، وإعلان حكومة طوارىء تستعين بخبراء اكاديمين لكتابة دستور جديد يوافق عليه العراقيون، وليس من يدّعي تمثيل طوائفهم.

*رئيس التحرير