لماذا تدعم “إسرائيل” انفصال كردستان عن العراق؟

بغداد – الاعمار
قبل أعوام، وحين كانت المنطقة العربية تغوص في وحل من الخلافات السياسية، خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بتصريحات أعلن فيها دعم “تطلع الشعب الكردي لتحقيق مصيره وإقامة دولته المستقلة”، ليعود مجدداً إلى تأكيد الموقف مع اقتراب حدث استفتاء الانفصال.
وشهد يوليو 2014 اتصالاً من وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، أفيغدور ليبرمان، بنظيره الأمريكي جون كيري، وحثه على تغيير موقف واشنطن من استقلال كردستان، على اعتبار أن العراق مقسم عملياً.
نتنياهو عاد إلى تجديد دعم بلاده لاستقلال إقليم كردستان، مع اقتراب موعد إجراء استفتاء انفصال الإقليم الكردي، المزمع في 25 سبتمبر الجاري، وذلك في تغريدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي قال فيها إن بلاده “تدعم الجهود المشروعة التي يبذلها الشعب الكردي من أجل الحصول على دولة خاصَّة به”.

الباحثة والكاتبة أماني السنوار تعلّق على الموقف الإسرائيلي من الاستفتاء فتقول: إن دول المنطقة؛ حكومة العراق، وإيران، وتركيا، وسوريا، تعارض إجراءه، وكذلك ترى الولايات المتحدة أن توقيته غير مناسب، لكن “اللافت هو التصريحات الإسرائيلية المؤيدة والمتحمسة جداً لإقامة دولة كردية في أسرع وقت”.
السنوار ترى في تدوينة نشرتها في حسابها بفيسبوك، الخميس (14 سبتمبر 2017)، أن تصريحات نتنياهو بهذا الشأن تمثل انعكاساً للدعم الإسرائيلي المميز للأكراد، مشيرةً إلى أن هذا الدعم وصل إلى حد القيام بحملات دبلوماسية لتسويق الجماعات الكردية في واشنطن.
وتستشهد بموقف النائب السابق للجيش الإسرائيلي، يائير غولان، المُدافع عن حزب العمال الكردستاني (PKK) في ندوة سياسية بواشنطن، نافياً أنهم منظمة إرهابية (كما تُصنّفها تركيا)، على الرغم من وجود الحزب على قوائم الإرهاب الأمريكية والأوروبية، ورفعهم السلاح ضد تركيا منذ 30 عاماً.
وتضيف السنوار أن تصريحات الجنرال الإسرائيلي خطيرة، وفيها تجاوز لمسألة الاستفتاء نحو التدخل بشأن داخلي وحساس بالنسبة لأنقرة، مما يثير الفضول حول رد تركيا على ذلك، لافتةً إلى أن إسرائيل تتنصل رسمياً من موقفها، لكنها من جهة ثانية تُسخر دبلوماسيتها لخدمة الجماعات المسلحة.
موقف إسرائيل الداعم لاستفتاء انفصال الإقليم الكردي عن العراق، لا يمكن أن يكون عبثاً؛ فإسرائيل التي تحاول دس السّم في أطباق منافسيها، وخلق المشاكل في المنطقة، ستجد في قيام الإقليم الكردي فرصة لتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية؛ خاصة مع جيران الأكراد.
وسياسياً، فإن الحرص على التعاون الإسرائيلي مع الأكراد، ومصلحة تل أبيب في تعزيز القدرات الاقتصادية والعسكرية لإقليم كردستان العراق، يأتي لكون إسرائيل معنية أساساً بتمكين حكومة أربيل من تأمين الشروط والظروف التي تساعدها على إعلان استقلال الإقليم عن العراق.
الكاتب والخبير في الشأن الإسرائيلي، صالح النعامي، يرى أن الاستراتيجية التي تتبعها إسرائيل في علاقاتها القوية مع كردستان العراق تتجاوز بكثير مسألة الحرب على تنظيم داعش، فهي تهدف بشكل خاص إلى توظيف العلاقات في تحسين بيئتها الإقليمية والاستراتيجية بشكل جذري، لا سيما في ظل التحولات الإقليمية المتلاحقة.
وحسب النعامي، فإن الدولة الكردية ستُمكّن إسرائيل من اصطياد عدة عصافير بحجر واحد، حيث تفترض أن مثل هذه الدولة ستواصل نهج إقليم كردستان التاريخي في التحالف مع إسرائيل، بحيث يمكنها الارتباط بشراكة استراتيجية مع تل أبيب، تقلص من عزلتها، وتزيد من هامش المناورة أمامها في التأثير على المشهد الإقليمي.
ومن هنا لم يكن مستهجناً أن يجزم معلق الشؤون العسكرية الإسرائيلي “ألون بن دافيد” أن دولة كردية تضم أجزاء من العراق وإيران وسوريا وتركيا ستمثل “حليف الأحلام بالنسبة لإسرائيل”، بحسب ما ذكرت صحيفة معاريف العبرية، نهاية يونيو 2015 الماضي.
ونظراً لعمق اعتماد إقليم كردستان على الدعم الإسرائيلي لفكرة الاستقلال عن العراق، فقد كشفت صحيفة معاريف، في عددها الصادر بتاريخ 9 مايو 2015، النقاب عن أن حكومة الإقليم قد أرسلت مستشاراً سياسياً، للتباحث مع كبار المسؤولين الإسرائيليين حول سبل الدعم السياسي الذي يمكن أن تقدمه إسرائيل للتحرك الكردي نحو الاستقلال.
في حين أن صحيفة “هآرتس” العبرية أكدت أن هناك عدداً من المزايا لإسرائيل في استقلال كردستان؛ من أهمها موقع الإقليم الذي يتخطى طريق إيران إلى سوريا ولبنان، كما أنها ستكون بمثابة “صداع” ليس فقط بالنسبة لإيران، بل بالنسبة للمنافسين المحتملين الآخرين، ومن ضمنهم العراق وتركيا وسوريا.
ويعتزم الإقليم الكردي شمالي العراق، إجراء استفتاء مصيري، في 25 من سبتمبر الجاري، للانفصال عن العراق، وهي خطوة ترفضها كل من الحكومة والبرلمان العراقيين في بغداد.
وتجدر الإشارة إلى أن الاستفتاء المزمع إجراؤه بعد 10 أيام غير مُلزم، بمعنى أنه يتمحور حول استطلاع رأي سكان المحافظات الثلاث في كردستان العراق، وهي: أربيل والسليمانية ودهوك، ومناطق أخرى متنازع عليها، بشأن رغبتهم في الانفصال عن العراق أم لا.
وترفض الحكومة العراقية الاستفتاء، وتقول إنه لا يتوافق مع دستور البلاد، الذي أقر في 2005، ولا يصب في مصلحة الأكراد سياسياً ولا اقتصادياً ولا قومياً، كما ترفض الجارة تركيا إجراءه، وتقول إن الحفاظ على وحدة الأراضي العراقية مرتبط بإرساء الأمن والسلام والرخاء في المنطقة.