“استفتاء الانفصال”.. لماذا لم يؤجل وما تبعاته؟

د. سرهات أركمن*
خلال الأيام الـ15 الماضية، تضاربت التكهنات والآراء حول إمكانية إجراء الإقليم الكردي استفتاء انفصاله عن العراق، أو تأجيله، وحيال الأمر ذاته توالت ردود الفعل الدولية من دول المنطقة والقوى الكبرى، والسياسيين الأكراد في الإقليم، والحكومة المركزية ببغداد.
وقبل يوم واحد من الاستفتاء، عقد رئيس الإقليم مسعود بارزاني مؤتمرا صحفيا، أكد فيه أن الاستفتاء سيجري في موعده، وبالفعل تم إجراء الاستفتاء، أمس الإثنين، 25 سبتمبر/أيلول.

** لماذا لم يتم تأجيل الاستفتاء؟
قبل كل شيء ينبغي التذكير بمسألتين في هذا الصدد، أولاهما أن الاستفتاء الذي أعلن في 7 يونيو/حزيران الماضي ولغاية مطلع سبتمبر/أيلول الجاري، لم يكن في أولوليات أجندة تركيا ولا حتى منطقة الشرق الأوسط؛ حيث كانت مسائل مثل الهجوم على محافظة دير الزور السورية، ومحادثات أستانة، وتحرير قضاء تلعفر بالعراق،
والحرب على تنظيم “داعش” الإرهابي، ونقاشات حول برنامج إيران النووي مطروحة على الأجندة.
وأغلب المراقبين والمحللين كانوا ينظرون إلى مسألة إجراء الاستفتاء على أنها ورقة يستخدمها بارزاني من أجل الحفاظ على مستقبله السياسي، ولمواجهة الخلافات السياسية في الإقليم.
وكان الرأي السائد أنه حتى وإن نُظم الاستفتاء فإنه لن يتم تنفيذه فورا، ولذلك فإن التطورات الاستراتيجية التي ستنجم عنه لم تتصدر أولويات المشهد السياسي في ظل وجود تطورات أخرى في المنطقة.
والنقطة الثانية هي أن عدد الدول التي طالبت بتأجيل الاستفتاء أو إلغائه لم تكن قليلة، فقد أعلن الكثير من بلدان المنطقة وعلى رأسها تركيا وإيران، والدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا، مواقفها الرافضة له.
في حين صدرت تصريحات خافتة من كل من روسيا والصين في هذا الصدد، وفضلت موسكو وبكين عدم الدخول على خط هذه المسألة.
وكانت بعض الأحزاب الكردية شمالي العراق، ومنها حركة التغيير، والجماعة الإسلامية، قد أعلنتا منذ البداية معارضتهما لإجراء الاستفتاء، وشكلتا معا جبهة تسمى “لا الآن” لمعارضة الاستفتاء.
في حين كان موقف الاتحاد الوطني الكردستاني (بزعامة جلال طالباني) موقفا متذبذبا حيال الاستفتاء، فبينما أعلن بعض قيادات الحزب رفضهم لإجرائه، أيدته قيادات أخرى.
وقبل يوم واحد فقط من موعد الاستفتاء، غيرت الأحزاب الكردية المذكورة أعلاه، مواقفها في اللحظات الأخيرة لتعلن مشاركتها فيه، والتصويت بنعم.
وهنا يطرح السؤال نفسه إذا ما كان الإقليم قد تعرض لضغوطات كبيرة لهذه الدرجة فلماذا لم يؤجل الاستفتاء إذن؟
ويمكن الإجابة عن هذا التساؤل من خلال التطرق إلى خمس نقاط مهمة، وهي:
أولا: يُفهم من تصريح مسعود بارزاني خلال مؤتمره الصحفي الأخير أن خطابات العديد من الدول حيال الاستفتاء كانت مختلفة عما كانوا يقولونه عندما يلتقون معهم بشكل ثنائي.
ويُظهر هذا التصريح أن الضغوطات لم تكن كبيرة على سلطات الإقليم بنفس الشكل الذي ظهر للرأي العام العالمي.
ثانيا: ربما اعتقد بارزاني أن مصالح الدول الإقليمية، والقوى الدولية غير متطابقة، ولذلك فإنه حتى وإن أظهرت تلك البلدان خطابا متشابها حيال الاستفتاء، إلا أنها لم تبدِ موقفا مشتركا إزاءه.
ثالثا: عدم قدرة الحكومة العراقية على التدخل عسكريا لوقف عملية الاستفتاء تماما، أو حتى عدم محاولة الجيش العراقي بمفرده منع إجرائه في بعض المناطق وعلى رأسها محافظة كركوك (شمال)، إذ لم تقبل على اتخاذ هذه الخطوة دون إجراء تنسيق مسبق مع بلدان إقليمية في هذا الصدد.
رابعا: عدم إظهار الأحزاب الكردية التي أبدت معارضتها للاستفتاء في البداية، حملة جدية وقوية لرفض تنظيمه؛ حيث ركزت على حملات بارزاني وسياسته الداخلية.
خامسا: قاد الحزب الديمقراطي الكردستاني (بزعامة بارزاني) حملة داعمة للاستفتاء من خلال لعبه على وتر القومية، لا سيما كلما زادت ردود الفعل الدولية “الصورية” من الخارج.
واعتبر الحزب معارضة الاستفتاء مساوية للخيانة، وأخرج المسألة عن سياقها الحزبي والبرلماني إلى سياق أنها مسألة “الأكراد أو غيرهم”.
وفي النهاية أدرك بارزاني أنه في حال وافق على الدعوات الكثيرة لـ “تأجيل الاستفتاء” دون تلويح تلك الجهات بفرض عقوبات رداعة عليه، سينهيه سياسياً.
لا شك أن نتيجة استفتاء الانفصال معروفة من قبل الجميع قبل إعلانها، لذاك فإن نسب المصوتين بـ”نعم” وبـ”لا” غير مهمة، وغير ضرورية، المهم هو النتائج قصيرة المدى التي سيتمخض عنها الاستفتاء.
وبالإمكان القول إن مسعود بارزاني عزز مكانته في السياسة الداخلية بالإقليم رغم المعارضة الواضحة من حركة التغيير؛ حيث تمكن من جذب المعارضين إلى جهة المؤيدين للاستفتاء.
ومن المنتظر أن تنظم انتخابات برلمانية وأخرى لمنصب رئاسة الإقليم في 6 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وعلى الرغم من إعلان بازراني عدم ترشحه لفترة رئاسية جديدة خلال الفترة المقبلة، إلا أنه مع تنامي موقفه السياسي الجديد من المحتمل أن يعلن ترشحه لولاية أخرى.
ومن نتائج الاستفتاء، يمكننا أن نستشف أن صناديق الاقتراع خلال الانتخابات المقبلة ستوضع في المناطق التي جرى فيها الاستفتاء؛ الأمر الذي يشير إلى رسم حدود “الدولة الجديدة”، رغم تصريحات بارزاني بأن الاستفتاء لا يرسم حدودا، ولا يعني الانفصال فورا عن العراق.
وفي خطوة تعارضها قوى إقليمية ودولية، والحكومة المركزية في بغداد، فتحت مراكز الاقتراع في الإقليم الكردي أبوابها صباح أمس الإثنين أمام نحو 5 ملايين ناخب للتصويت في استفتاء الانفصال عن العراق، وسط تصاعد التوتر مع الحكومة العراقية.
وإضافة إلى رفض الحكومة العراقية بشدة إجراء الاستفتاء لمعارضته دستور البلاد، رفض التركمان والعرب أن يشمل الاستفتاء محافظة كركوك، وبقية المناطق المتنازع عليها في محافظات نينوى، وديالى، وصلاح الدين.

*الدكتور سرهات أركمن، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة “أهي أوران” التركية