العراق: إعلام لا يليقُ بمحنةِ البلاد
رئيس التحرير*
الثاني من مايس عام 1956 تأسس اول تلفزيون عربي وهو تلفزيون العراق
وبمرور هذه الذكرى لا بد لنا ان نقيّم مسيرة الاعلام العراقي خصوصا في مرحلة ما بعد سقوط النظام الشمولي في العراق ، والذي اقترن للأسف باحتلال البلاد من قبل الأمريكان.
التقييم الاول ربما يكون صادماً لان الاعلام التلفازي العراقي لا يليق بالمرحلة ، فالعراق الذي تتوزعه الاختلافات والنزاعات والسرقات والتزوير والعودة للوراء بمناحي شتى ، ترى ان الاعلام العراقي تحول من اعلام حر رغم تعدديته الى اعلام تابع ومنتمي وبات الصحفي يتبنى مشروع القناة بوجهة نظر حزبية ، قبل ان يقتنع ويمارسها مهنياً ، الامر الذي انعكس على اداء الاعلام التلفازي العراقي وبقي حبيس التبعية رغم العدد الكبير من القنوات الفضائية والتلفزيونات الرسمية للمحافظات وبعض الأحزاب
ربما ان الماساة بدأت حينما سلم الحاكم المدني الامريكي بول بريمر مفاتيح وصلاحيات شبكة الاعلام العراقية لرئيس مجلس الوزراء وذلك قبل رحيله من بغداد ، حيث وقع بريمر على اخر قرار وكان مضمونه ان تتبع شبكة الاعلام العراقي وهي التلفزيون الرسمي ، الى اياد علاوي رئيس الوزراء وقتذاك ، فبقي التلفزيون الرسمي يتحرك وفق ما يبتغي رئيس الوزراء حتى اصبح بيد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ، وتمت مصادرة حلم الديمقراطية الاعلامية نتيجة بقاء التلفزيون الرسمي مدة ثمان سنوات اثرت بشكل كبير على الأداء الاعلامي الرسمي
وبات الاعلام الخاص يمارس ردّة فعل للاعلام الرسمي ، الا ان الاول وقع في ذات الخطأ الذي استدرج له الاعلام الرسمي ، حيث أصبحت الأحزاب وبعض الشخصيات تتعامل مع الاعلام كما تتعامل مع الحياة الحزبية وتجنّد كوادرها المؤمنة بقادتها لدعمها إعلامياً ، وبالمقابل فان المؤسسة الصحفية العراقية الشابة وغير المتمرّسة انجرّت نحو طموح السياسيين وبدل من ان يتمتع الاعلام بسلطته الرابعة تراه في عراق ما بعد 2003 بات يتبع السلطات الثلاثة حسب اهواء الحزب او القائد الممول للقناة
هذه السمة جعلت من الصحفيين مستهدفين كسياسيين اكثر من كونهم أبناء مهنة المتاعب ، وليس غريباً ان ترى في العراق ان الصحفيين المتزلفين او المقرّبين من السلطة باتوا يبحثون كما السياسيين عن مجد مالي وعرش سلطوي ونسوا مهنة المتاعب وباتوا يتعاملون معها على انها مهنة الوصول الى السلطة او الاستفادة قدر الإمكان من السلطة
وليس غريباً ان يطلعنا المرصد العراقي للحريات الصحفية بتقريره الصادر قبل يومين فقط بان 21 صحفيا قتلوا خلال عام واحد فقط بسبب احداث عنف او اختطاف او احتجاز تعسفي أدى الى الموت
ليبقى العراق واحداً من اخطر المناطق للعمل الصحفي في العالم ، بيد ان البعض الاخر الذي لم يقتل لحد الان تعرض الكثير منهم الى دعوات قضائية من قبل مسؤولين حكوميين وبرلمانيين فضلاً عن أعضاء من مجالس المحافظات
وأخيراً نقول : الاعلام العراقي بعد عام 2003 اضاع بوصلة المهنة واتجه لتنفيذ مشاريع سياسية ، بل وانجرّ لتبنّي مقولات قادة استهلكوه وساوموا به في اكثر من محفل
*محمد السيد محسن