منظومة السلطة تتكامل بالمعارضة الحضارية

القاضي منير حداد
كلنا شركاء في الإصابة أو الإخفاق.. وطنياً.. ما دامت المعارضة محفز لأداء الحكومة في بلورة نمط حاكم ينتظم الجميع.. من الرئيس الى البائع وراء بسطة على الرصيف
تعاني السلطة، في كل دول العالم، بأقطابها المتنوعة.. رأسمالية وديمقراطية ودينية وديكتاتورية وسواها، من قصور في الأداء المواكب لمتطلبات الحياة المثلى لأي شعب؛ الأمر الذي يجعل فكرة المعارضة ضرورة حضارية، وليست تباينا في التوجهات السياسية فقط.
فالبشر يتزايد عددهم بتسارع هندسي، والنمو يتزايد عددياً، حسب نظرية مالثوس؛ ما يوجب على الحكومات، إنشاء محطات توليد كهربائية ومستشفيات ومدارس وتوسيع شبكات الماء والمجاري والوحدات السكنية وباصات النقل العام وشق شوارع وفتح أسواق.. جديدة سنويا؛ لمواكبة التعداد السكاني المتنامي، والأسر الوليدة.
الأسر الوليدة
الأسر الوليدة، هي تلك الناشئة عن الزيجات الجديدة، التي تتطلب بيوتا وأجهزة منزلية وتوصيلات كهرباء وماء وهاتف، لعائلة مستحدثة، بعد أن كان طرفاها.. البنت والولد.. يعيشان في كنف أسرتيهما، لا طباخ ولا ثلاجة ولا… خاص بهما، إنما هما مندغمان بعائلتيهما، والآن أصبحا عائلة ثالثة.
تلك هي التوسعات التي يشهدها الشعب، بينما الحكومة لا تتمكن من توفير متطلبات العيش الحضاري، بنفس القدر من بساطة طالبين تخرجا في الكلية تواً يتوجهان الى المحكمة لعقد قرانهما؛ وبعدئذ تتداعى الصعوبات.. من مستلزمات شحيحة الى واقع معيشي صعب، وتتجلى المعاناة في تأمينها؛ وهنا يتحقق العوز في المنظومة الحضارية الحاضنة للحكومة والشعب معا.. بمعنى: الدولة.
والعوز بالتالي يتجلى على شكل معارضة مسلحة في المجتمعات الهوجاء، وتنساب بسلام هادئ، في المجتمعات التأملية؛ التي تسعى الى أهدافها بطرق منهجية.. حضارية، من دون إقلاق للمجتمع، بل تحث الحكومة على العمل الجدي، وتدفعها الى المواظبة، في سبيل تأمين متطلبات العيش الكريم للشعب، من دون إنفعالات مبالغ بإستعراضاتها.
حوار تأملي
حسن الفصل بين السلطات، من دون فصم عرى التفاهم بينها، من شأنه خلق حوار متفاعل، بين رئاسة الوزراء كسلطة تنفيذية ومجلس النواب كسلطة تشريعية، ومجلس القضاء، الذي يعد السلطة الموازنة لسفينة الدولة، وهي تمخر عباب موج التقلبات السياسية والإجتماعية الضاربة كالأعلام!
ما يجعل بلوغ جدوى المعارضة الحوارية، بلغة تأملية، أمراً هيناً ومتيسراً.. ضمن دائرة الإحتمال.. ممكناً، من خلال صب جهد السلطات الثلاث، في المعنى الجوهري للمتن، من دون تفريط بالطاقات المعرفية واليد العاملة، بأساليب تبدد المحاولة وتشظيها، بكل ما يترتب على ذلك من غيظ مستفز لأطراف الدولة.. الشعب والسيادة والأرض.
فالشعب والسيادة، كلاهما موجودان على الأرض، وبهما تتكامل منظومتا السلطة ومعارضتها.. تبادلياً، من خلال التمثيل النيابي للشعب، في تشريع القوانين ومراقبة أداء الحكومة.
كرة اللهب
وبهذا لا ضرورة لإحتقانات ولا تسقيط سياسي أو تبادل كرة اللهب، بين الكيانات السياسية، داخل البلد المتحضر.. الواحد، طالما باب المناقشة مفتوح، لمن شاء المشاركة، في صنع القرار، من خلال إحدى السلطتين، شريطة إستيفاء المؤهلات اللازمة لدخول معترك السياسية.. في الحكم أو المعارضة للحكم؛ ما يجعل المعارض شريكاً بالنتائج.. سلباً أو إيجاباً؛ بإعتباره القوة الضاغطة على الحكومة، من تحت وفوق قبة مجلس النواب.. بمعنى معطي العلم (الأستاذ) ومتلقيه (الطالب) كلاهما يعدان عالمين، وكل منهما عالم ماداما متفعالين في المنظومة الأكاديمية، التي لا تختلف عن المنظومة السياسية منهجيا،…
وعليه.. كلنا شركاء، في الإصابة أو الإخفاق.. وطنياً؛ ما دامت المعارضة محفزاً للحكومة على حسن الأداء الحضاري، لبلورة نمط من حوكمة تنتظم الجميع.. من الرئيس الى عامل المقهى، والبائع المصطف وراء بسطة تخالف قوانين البلدية، تجاوزاً على رصيف المشاة، عند كتف الشارع العام، على حافات الأسواق، التي لم تعد نظامية!