ماذا لو تراجعَ بارزاني؟

د. ماجد الساعدي*
بعدَ التصعيد الدستوريّ والقانونيّ الّذي قامت بهِ السلطة التنفيذية بقيادةِ رئيس مجلس الوزراء والقرارات التي أقرَّها البرلمانُ العراقي ضدَّ الاستفتاء في إقليم كردستان؛ فإنَّ الأُفق بدأ يعطي ملامح اللغة الناعمة من القادةِ الكُرد عن الاستفتاء ونتائجهِ, ومن المُحتمل أنْ يتحول الاستفتاء ونتائجه الى عملية استقراء لرأي الشعب الكردي العراقي في إقليم كردستان العراقي وهي عملية غير ملزمة.
هنا يدور تساؤل مهمّ ستفرزه المرحلة القادمة وفق المعطيات التي ذكرت آنفًا وهو: “ماذا لو تراجع بارزاني عن الاستفتاء ونتائجه وقرر التفاوض بدون هذه الورقة؟”.
لقد أفرزتْ الأيَّام الماضية مجموعة اعترافات وشهادات وتصريحات جعلت من “مسعود بارزاني” شخصًا سلبيًا، سواء بتصريحات رئيس مجلس الوزراء في خطابه يوم الرابع والعشرين من أيلول حين اتهم قيادة الإقليم بسرقة نفط العراق منذ عام 2013، وطرح رقمًا لم يتم المجاهرة به من قَبْل؛ وهو أنَّ الاقليم يصدر 900 ألف برميل نفط يوميًا، وتساءل: “أين ذهبت هذه الاموال ولماذا لم يتم دفع رواتب موظفي الاقليم”، في إشارةٍ واضحةٍ إلى مسعود بارزاني وعائلته بالإضافة إلى اتهامات كردية لمسعود بارزاني وعائلته على إنَّهم أثروا على حساب المال العام المسروق من موازنة الاقليم, وهذا ما تحدثَتْ به النائبة عن كركوك آلا طالباني.
و كما إنَّ خطوة الانفصال وبشهادةِ أعلى سلطة قضائية في البلاد تعد إجراء “غير دستوري”, أما خطوة شمول الأجزاء غير الخاضعة لإدارة الاقليم بالاستفتاء فهي تعدٍّ صارخ على قرار الأُمم المتحدة رقم (688) لسنة (1991)، والذي حدَّد ملاذًا آمنًا لأبناء الشعب الكردي من العراقيين ضمن حدود ما تم التعارف عليه لاحقًا بإقليم كردستان العراقي, وهو ذات ما تم توثيقه في قانون إدارة الدولة في زمن القائد المدني الامريكي للعراق بول بريمر ووافق عليه الاكراد في اكتوبر/تشرين الأول من عام 2003؛ حيث اعترفتْ القيادة الكردية بالمناطق الخاضعة لسيطرتها, وأما المناطق الأُخرى فهي غير خاضعة لسلطة الإقليم.
إذن؛ فهل سيعد تنازل مسعود بارزاني عن نتائج الاستفتاء سببًا وجيهًا يجعل المفاوض من الحكومة المركزية يسقط الاتهامات الكبيرة التي طالت مسعود بارزاني خلال الايام القليلة الماضية؟
إنَّنا نتساءل؛ لان المرحلة الحالية أفرزتْ مجموعة حقائق وتوافقات سياسية لم يكن يعلم بها الشعب العراقي، وكانت عبارة عن اتفاقات بين أحزاب وأفراد، لإقتسام الثروات دون الرجوع إلى الشعب أو إلى من يمثله وهو البرلمان العراقي.
لذا فإنَّنا نرى إنَّ قيادة إقليم كردستان العراقي يجب عليها أولًا أنْ تعترف بخطئها الدستوري, وأنْ تكون صريحة مع شعب الإقليم والشعب العراقي بأنَّها تسرَّعتْ في اتخاذ هذه الخطوة على اعتبار أنَّها جعلت العراق كبلدٍ موحدٍ في خطرٍ جسيمٍ لا يمكن أنْ تتسامح به الدولة العراقية.
أمّا من جانب الحكومة العراقية فإنَّنا نرى ضرورة دعم أبناء شعبنا الكردي المعارض لهذا التمرُّد، وتأكيد اعتزازنا بهم وبوطنيَّتِهم، وأنْ يتم تفعيل هيأة النزاهة في إقليم كردستان العراقي, وأنْ تتم مراجعة ملفات الفساد والمفسدين ومسببات خطوة الانفصال. كما يجب أنْ تحمي السلطة المركزية العراقية جميع مكونات الشعب العراقي، والعراق بشكل جدِّي، وغير خاضع للمجاملة من خلال السيطرة على المنافذ الحدودية، وعلى حركة المطارات، والتجارة، وتصدير النفط، وزوار العراق من كل جنسية وأسباب زيارتهم.
كما أنَّ أيّ حوارٍ جادٍّ مع قادة الاقليم يجب أنْ ينطلق ويُبنى على أساس وحدة العراق وشعبه، وعدم اللجوء للخارج في الاستقواء على شعبه وحكومته، وليس من حق السلطة أنْ تتنازل عن حقها القضائي والتشريعي، بإتجاه المتسبّبين بالأزمةِ الفعليةِ التي حبستْ أنفاسَ العراقيينَ من أقصى جنوبهم إلى أعالي جبال كردستان العراق الشماء.

*رئيس منتدى الإعمار العراقي، ومجلس الأعمال العراقي في الأردن