انفصال كورد العراق أضعاف للكويت!

حسن علي كرم
ما هي المخاطر و التداعيات الأمنية المتوقعة جراء انفصال اقليم كوردستان العراق على الكويت …؟؟؟!!!
الكويت أشبه بوادٍ سحيق يقع بين جبلين ( مساحة الكويت نحو ١٨ الف متر مربع ) فيما مساحة العراق تعادل ٢٤ مرة عن مساحة الكويت ، و تعادل مساحة السعودية بالنسبة للكويت ١٢٠ مرة تقريباً ، بينما بالنسبة لإيران ٩٢ مرة، الكويت تشكل اخطر موقع في هذا الوادي السحيق ، و في منطقة من اخطر المناطق من العالم حيث لم تنعم منذ الخليقة باستقرار أمني ، فالحروب و الغزوات لا تحدث الا في منطقة الشرق الأوسط ، و تحديداً في وادي الرافدين و الجزيرة العربية …
في عام ١٩٢٣ تم رسم حدود كل من الكويت و السعودية والعراق في منطقة تسمى العقير من أراضي نجد ، الا ان الجميع خرجوا من الخيمة غير راضين من الحدود التي حددها بالقلم الأحمر المقيم البريطاني في المنطقة بيرسي كوكس ، عندما عاد المقيم البريطاني في الكويت الذي مثلها في مفاوضات الحدود و اخبر حاكم الكويت آنذاك الشيخ أحمد الجابر الصباح عن نتائج المفاوضات ، بكى الشيخ احمد الجابر متأثراً عن ضياع ثلثي أراضي بلاده ، و قال لبيرسي كوكس كنت أعتبرك ابي الروحي ( المرجع كتاب الكويت و جاراتها لديكسون ) ، فرد عليه بابتسامة صفراء خبيثة قاىلاً : السيف أمضى من القلم ” فقال له الشيخ أحمد الجابر هل معنى هذا اذا استرددتُ قوة جدي مبارك اعيد أراضي ، فرد عليه بنفس أبتسامته الصفراء الخبيثة : تقدر…” لكن لا الشيخ احمد الجابر استعاد قوة جده مبارك الصباح و لا الاراضي التي استجزأت بجرة و بأعصاب باردةٍ استعادها …!!!
لقد بقي الصراع و المطامع على الكويت محتدمة ، خاصة من جهة العراق الذي لم يتردد حكامه من الإفصاح علناً عن مطامعهم ، و لكن كلما كشروا عن أطماعهم بالكويت سارع الإنجليز من جانبهم و المملكة العربية السعودية من الجانب الاخر الى أنذار حكام العراق المساس بالكويت ، لكن في ٢٥ / ٦ / ١٩٦١ اي بعد ألغاء معاهدة الحماية الموقعة في ٢١ يناير١٨٩٦ مع الإنجليز و بعد ستة ايام على اعلان أستقلالها الذي جرى في ال ١٩ من يونيو ١٩٦١ في قصر الحكم في الكويت و الذي وقعه عن الكويت المرحوم الشيخ عبدالله السالم الصباح و عن الجانب البريطاني السير وليم لوس ، أعلن رئيس الوزراء العراقي آنذاك عبدالكريم قاسم في مؤتمر صحفي اُذيع في منتصف الليل من أذاعة بغداد ،الى ضم الكويت الى العراق باعتبارها قائم مقامية تابعة للعراق و تعيين أمير الكويت الشيخ عبدالله السالم الصباح قائم مقاماً عليها و عين له راتباً شهرياً قدره ( ٧٥ ) ديناراً عراقياً ، لكن ذهب عبدالكريم قاسم حيث اعدم مقتولاً على أيدي البعثيين الذين استولوا على الحكم ، مثلما ذهب قبله الملك غازي اول من طالب بالكويت مقتولاً عندما صدم بسيارته عمود انارة اثناء خروجه من قصر الزهور و هو في حالة نرفزة و سكرً، ثم جاء البعثيون الذين استمروا بالاعتداء و التحرش بالحدود الكويتية مرة بالتجاوز على الحدود و مرة بمناوشات و الاعتداء على المخافر الحدودية – مخفر الصامتة ، ثم الزحف المبرمج الى داخل الاراضي الكويتية ، و جاؤوا بعراقيين من أماكن بعيدة و أسكنوهم هناك ، و ظلت المسألة الحدودية بين الكويت و العراق عالقة و قلقة للكويت و كلما عرضت الحكومة الكويتية على العراقيين رسم الحدود كانوا يتهربون بالتأجيل و استمرت حالة الحدود متأرجحة ما بين المماطلة و التسويف المتعمد ، الى ال ٢ من اغسطس ١٩٩٠ حيث في فجر ذلك الخميس المشؤوم اجتاحت القوات العراقية الغازية الأئمة الحدود الكويتية في جريمة لم يشهد التاريخ الحديث مثلها ، و لكن لم تكن لتمر الجريمة ، فتحررت الكويت من براثن الغزو ، و ذلك بفضل الله و بتكاتف الكويتيين و بفضل قوى التحالف التي تشكلت من اكثر من ٣٣ دولة محبة للسلام و مدركة لخطر الغزو و خطر شطب الكويت من على خريطة المنطقة ، و هي التي تطل على اخطر موقع على رأس الخليج …
ان انفصال اقليم كوردستان العراق عن الدولة العراقية خارج دستور٢٠٠٥ و على خلاف رغبة الغالبية الشعبية لا ينسحب خطره على العراق و حسب ، بل لعل خطره ينسحب على المنطقة التي تعاني من أضطرابات امنية و حروباً أهلية و تنظيمات جهادية متطرفة ، و لن يستفيد من الانفصال الا الكيان الاسرائيلي الذي أيد الاستفتاء و الانفصال ، و لعل موجة الاستياء التي عمت المنطقة حكومات و شعوباً لم تكن لتحدث لولا شعور الجميع أزاء المخاطر التي ستترتب على تبعات الانفصال ، و اول المخاطر هو تفكيك العراق الى دويلات طائفية و إثنية ، فسنة العراق الذين يشتكون بتنفيص حقوقهم سيطالبون بكيان ستي مستقل في الوسط الامر الذي يجعل تلقائياً الجنوب دولة مستقلة ، و قد يطالب تركمان العراق انضمام أراضيهم الى الدولة التركية فيما بقية الطوائف يستقلون بمناطقهم كالايزيدية و الأشوريين الكدان …
ان الإنجليز الذين رسموا حدود العراق في سنة ١٩٢١ لم يكونوا بعيدين عن واقع المنطقة و لا عن الواقع العراقي كمجموعة سكانية تتألف من طوائف و أثنيات ، الا انهم استطاعوا تذويب هذه المجاميع البشرية المتنافرة و إدخالهم في بوتقة الدولة العراقية الموحدة ، التي أعيد إحياؤها في مساء ال ٩ من ابريل ٢٠٠٣ عندما اطيح بالنظام الدكتاتوري الصدامي المستبد ، و قيام الدولة الاتحادية الدستورية و النظام الديمقراطي البرلماني التعددي …
لقد احسنت الحكومة الكويتية صنعاً عندما أعلنت رفضها استفتاء الإكراد بالانفصال ، فليس هناك ما يبرر للكويت تأييد انسلاخ الكورد من وطنهم العراق بل لعل مخاطر الانفصال أفدح على الكويت من العراق الموحد، ذلك من مصلحة امن و أستقرار الكويت وجود عراق موحد و قوي و مسالم ، و كلما كان العراق قوياً و مسالماً كان ذلك موضع اطمئنان و أمان للكويت ، مثلما نرى في الجانب الاخر دولة سعودية شقيقة و قوية ، كذلك دولة إيرانية صديقة و مسالمة و قوية ، فالكويت الضلع الأضعف في المعادلة الإقليمية سوف تكون اول الخاسرين من تفكيك العراق ، لذا ليس أمام الكويت الا ان تتحصن بحزام من معاهدات الحماية مع الدول الاكثر قوة و ضماناً لأمنها ، ان امن الكويت هو المسألة الاهم التي لا ينبغي ان نختلف عليه.

*صحفي كويتي