ثوابتُ المنطقة

محمد السيد محسن*
هذا العنوان مأخوذ من مقولة شهيرة لوزير الخارجية الامريكي الاسبق “وليام روجرز”, قالها بعد سقوط نظام شاه ايران ونجاح الثورة الايرانية ووصول روح الله الخميني على متن طائرة فرنسية إلى طهران, قال: “ثوابت المنطقة ثلاثة وهي العرشان الأردني والسعودي والحرس الجمهوري العراقي واسرائيل”.
أما العرش الأردني فكان يقصد به وضع الأردن أولًا كوطن بديل للفلسطينيين، ووضع عمَّان كعاصمة لفترة الازمات العربية، وقد أثبتت التجارب والحوادث أنَّ الأردن كانت العاصمة التي آوت الفلسطينيين ومنظماتهم، وكذلك المعارضين العرب لحكوماتهم، وكذلك أصبحت المملكة الوعاء الذي يستوعب المهاجرين والمهجرين من المواطنين العرب في المنطقة بعد ما سمي بـ”الربيع العربي” الذي عاث فسادًا وهتكًا وأجرى دمًا كانت الأردن المكان الآمن لأكثر من مليوني مواطن عربي من العراق وسوريا واليمن وليبيا, كما هي وعاء لتسريب أزمة البطالة في مصر؛ حيث يتواجد فيها أكثر من ربع مليون عامل مصري.
وأما العرش السعودي, فإنَّ هذه المملكة التي وصفها صدام حسين بعد أزمة الخليج الثانية بعد احتلاله للكويت وفرض الحصار على العراق، قال: “السعودية لا تُستعدى, فهي تعتبر الضامن لتنفيذ سياسات الولايات المتحدة في المنطقة وحرصت على أن تكون منفردة أحيانًا في نهجها وأحيانًا تسير مع جامعة الدول العربية”.
أما الحرس الجمهوري العراقي فيقصد به الجيش العراقي الذي يمثل المصد الأساس لعدم دخول إيران إلى المحيط العربي, وتم تأسيس دور للعراق ليكون حاميًا للبوابة الشرقية للوطن العربي؛ حيث أنَّ خطورة المنطقة تكمن في أي مماحكة بين المذهبين الوهابي في السعودية والشيعي في إيران, ولذلك كان الجيش العراقي أو العراق كدولة شمولية قادرة على أن تفصل إيران عن المحيط العربي لتوفير ضمانات عدة قد يكون من أهمها تحييد إيران وفصلها عن المحيط العربي.
اما ثابت اسرائيل فلا داعي أن نتحدث عنه.
ويوم سقوط إحدى ثوابت المنطقة وهو العراق نلاحظ أن المنطقة بدأت تسير على غير هدىً، ودبَّ فيها الخلاف العقائدي والقومي والمذهبي وتوزَّعت مهام شعوبها وحكامها على محاولات السيطرة على الأرض وسكانها أكثر من دعم الأرض وسكانها؛ حيث أثبتت التجرِبة بأنَّ سقوط النظام الشمولي في العراق أعطى الضوء الأخضر لإيران بأنْ تتمدد في العمق العربي، الأمر الذي لم يرق للسعودية ولا لمحور الولايات المتحدة الامريكية، وعلى هذا الأساس فإنَّ سقوط الثابت الثاني من الثوابت الثلاثة أدى إلى ما نحن فيه من فوضى وزلزال قِيَمي لم تكن المنطقة مستعدة له.
أسوقُ هذا الحديث لأقول لمن يعتقد بأنَّ المملكة العربية السعودية في طريقها لأن تتفكك، فإنَّ المنطقة لن تتحمل أن تفقد ثوابتها، وكان التفريط بثابت منها كدرس صعب وتجربة مريرة أجبرت المنطقة والعالم لأن يعيش الأزمات كما يتجرع الدواء اليومي المعتاد.
ربما نسمع إن خلافات تسود في المملكة لكنها وفق مدبريها سيتم السيطرة عليها لأنها يجب أنْ لا تقود إلى تغيير خرائط الواقع العربي الواقعية ولا الإفتراضية .
كما أنَّ الوجود العراقي يرسم له أن يأخذ دور الواقي الإيجابي بين الطرفين الإيراني والسعودي بعد أنْ دخل الصراع بين البلدين مراحل من التهديد والوعيد. العراق “الإيراني” لا يمكن أنْ يروق للسعودية, والعراق “السعودي” لا يمكن أنْ يروق للإيرانيين، وعليه فإنَّ العراق الإيجابي الذي يحقق التقارب في المنطقة يجب أنْ يتأسس، وهذا ما يتم التخطيط له من خلال الحد من النفوذ الإيراني في العراق أو على الأقل تهذيب الخطاب الديني الإسلاموي في المشهد السياسي العراقي، وتشذيب سلطة السلاح وفيضانها على الأرض العراقية وفق إنتقاء مذهبي.
هذه الهدف ما زال بعيد المنال لكنه لن يكون الشغل العراقي أو العربي في العراق، لأنه بلا شك الشغل الدولي في العراق وفق تفاهمات جديدة تضع أصحاب النفوذ الدولي على خط المواجهة مع التغيير عبر وسائل اعتادها الغرب في فرض واقع سياسي يسير بخطوة واحدة أمامهم، وأمام الشعوب يستخدم أكثر من خطوة.

*رئيس التحرير