تكافل الطغاة

القاضي منير حداد
“شبيه الشيء منجذب إليه” و”كل قرين بالقرين يقاس” جملتان إستهلاكيتان، لكتهما الألسن مراراً، إلا أنهما حقيقتان تحلان في حياتنا، تكادا تندثران، جراء تداولهما المستمر؛ لكنهما تفرضان جوهرهما المثبت لصحة حلولهما الواقعي في حياتنا، أفراداً ومجتمعات، مهما سخرنا من طول تكرارهما.
وهذا ما أثبتته الأحداث ولو بعد حين، إذ أن الطاغين على شعوبهم، بحكم ديكتاتوري، كانوا وما زالوا يستعرضون العداء ظاهراً، ويتوافقون باطنا، عندما يخلون الى شياطينهم المشتركة.
وهذا ما إطّلعت عليه شعوب الدول العربية كافة، يوم إنبرى طاغية ليبيا العقيد الراحل معمر القذافي، للدفاع عن طاغية العراق المقبور صدام حسين، بإعتبارهما زميلان في المنظومة الديكتاتورية ذاتها، كل يحن على الآخر ويعنى به ويتألم لألمه فرحاناً بفرحه، في الوقت الذي لم يحن أي منهما على شعبه أو يوقره مطمناً إحتياجاته ومتحسساً عناء آلامه الممضة، التي تدهورت بأحوال الشعوب حد الإنفلات من ربقة خوف لا يفضي التستر دونه إلا لحياةٍ، الموت أجدى منها، فـ “قلها ومت”.
قال القذافي، مخاطباً الملوك والرؤساء، في أول مؤتمر قمة عربية يلى إعدام صدام: “أي واحد منكم معرض لشنقه من قبل أمريكا في بلده” منعطفاً بالحقائق يلوي القول تحريفا عن معانيه، لأن أمريكا ليست ملاكاً، لكن صدام شيطان صريح ! والدفاع عنه تبنٍ لقضية، يعرف القذافي بطلانها، لا يخفى عليه ظلم صدام للعراقيين، لكنه لا يخفي ولاءه لفكرة الطغيان، متجلية بنظرائه، صدام وأمثاله، ومن نسج عضلات فكره على نول القهر المطلق.
فهم “كلاب للأجنبي.. وعلى أبناء جلدتهم إسود” وخير من وصفهم الشاعر الشعبي المصري أحمد فؤاد نجم: “الرؤساء العرب كلهم جبناء، يستأسدون على خواء الشعب الذي أضعفوه عامدين، كي يسيطروا عليه، جوع كلبك يتبعك”.
وهذا ما سبق أن أثبتته مجريات ما قبل وأثناء وبعد الحرب العالمية الثانية، التي تظاهر خلالها طاغية روسيا ستالين مع ديكتاتور ألمانيا هتلر، وكلاهما عسكري، ذو موقف مناوئ للآخر، لكنهما عقدا أعظم صداقة ذات أثر شخصي بليغ.
ندفع الآن فاتورة 9 نيسان 2003، الآن، بعد زوال حكم البعث بسقوط رئيس دولة الخوف صدام حسين، إذ نستنزف دماءً ومالاً بمواجهة “داعش” وليد طغاة الدين والدولة، وبقايا أيتام النظام، من موتورين (داحوا) من مناصب مرموقة نصبهم فيها صدام، حاسماً ولاءهم له.
يا حبذا إستثمار الصداقات الحميمة بين الرؤساء، في التبسط بين شعبين، وتذليل العقبات الحائلة دون الرفاه، بلد إستغلال تباين وجهات النظر، في تأليب الأطراف ضد بعضها.
وعند توحد الإرادات الإيجابية، تنشأ حضارة الروح المتجسدة بالإشراف على جبال من شموخ الإعتداد بالذات، الذي يحق لكل شعب إنتهاجه سبيلا في إثبات وجود جمعي يخلد الذات؛ إذن لكل شعب الحق بالرغد الإيجابي، المتفاعل بعيدا عن مؤامرات حماة الطغيان، ضد شعوبها المستهلكة، التي كدها التعب وحفرت “الأرضة” قباءها فيه.