هل اجراء الانتخابات العراقية قرار عراقي؟

محمد الوزان
يدور في ذهن البعض من السياسيين العراقين ان الانتخابات لن تجري في موعدها , ويصرحون احيانا في جلساتهم الخاصة ان وعود رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي ما هي الا بيع كلام في سوق طرشان.
ومع اصرار العبادي على اجراء الانتخابات في موعدها يخيل للبعض ان قرار اجراء الانتخابات هو قرار عراقي محض , بيد ان كل المعطيات تشير الى ان العراق لم يعد قادرا على اتخاذ اي قرار مصيري لوحده وفق سيادة دولة متكاملة يفتقدها العراق منذ عام 2003.
هذه المعلومة ليست تجنيا على الطبقة السياسية العراقية التي تسير في هدى البقاء في السلطة اكثر مما تسعى لاداء خدمة المواطن والدولة. بل انها موضع نقاش الكتل اليوم وعلى كافة اصعدتها , حيث اختلفت الكتل السياسية في قرار اجراء الانتخابات في موعدها ولم تتفق على هذا الموعد وكل له ذريعته وحجته , فالتحالف الوطني بداخله يرى ان الانتخابات يجب ان تجري في موعدها لمحاولة استغلال فرصة قطف ثمار النصر الذي حققته القوات الامنية العراقية والمساندة لها على ارهاب داعش , مستندة بذلك على تضحيات ابناء الشعب العراقي من المقاتلين, فيما ترى الكتل السنية ان قواعدها الجماهيرية تعيش شتاتا لا يمكنها ان تتصور اجراء انتخابات لشعب ترك مدنه وقراه وتوزع في منافي المدن الاخرى ومعسكرات النزوح.
الاكراد من جانبهم اختلفوا في توقيت الانتخابات حيث يرى طرف انه يجب انتهاز فرصة السقوط المدوي لبارزاني بعد ان ورط الاقليم في الاستفتاء , وفقدان الاقليم لكثير من الامتيازات التي كانت لديه دون رقيب او محاسب , ولذلك فهم يدعون الى اجراء الانتخابات كي يسيطروا على المشهد الكردي في بغداد , ومن هذه الكتل هم الاتحاد الوطني الكردستاني الغريم التاريخي للحزب الديمقراطي الكردستاني , وكذلك حركة التغيير الغريم الجديد للحزبين التقليديين.
ولفت انتباهي تصريح رئيس كتلة الحزب الديمقراطي بمجلس النواب , عرفات كرم حيث قال لتلفزيون راداو التابع لحزبه, ان الصراعات والخلافات السياسية والدستورية والنزاعات الداخلية تعيق إجراء الانتخابات في موعدها المقرر في (15-5-2018)، واشار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية وإيران وافقتا على تأجيل إجراء الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجالس المحافظات في العراق.
كرم قال : من العسير جداً إجراء الانتخابات العراقية في موعدها، والسبب الرئيسي هو عدم ملائمة الأجواء لذلك، حيث يعارض أغلب السنة إجراء الانتخابات في آيار 2018، فمعظم المدن السنية مدمرة، وإذا أخذنا الموصل على سبيل المثال فإن المسؤولين السنة لن ينالوا نسبة الأصوات التي سيحصل عليها الحشد الشعبي لو أجريت الانتخابات في المستقبل القريب”.
اذن هذا تصريح نيابي واضح على ان ايران والولايات المتحدة الامريكية لهما اليد الطولى في تحديد قرار اجراء الانتخابات.
كما ان محاولات الاستباق من قبل بعض السياسيين لن تتم بسهولة من قبل اخرين, حيث ان العبادي يريد استثمار اللحظة , فيما يرى الاخرون الرافضون لاجراء الانتخابات في موعده ان الاجواء غير ملائمة لفوز لكتل بعينها على حساب كتل اخرى , خصوصا وان القانون الانتخابي يفرض الاهتمام بنسب التوزيع والتواجد البشري في المناطق , ويفرض الاخذ بالحسبان بان الاصوات الخاسرة من قبل اي طرف ستكون بمثابة هدية لاطراف اخرى اذا كانت مستعدة لاجراء الانتخابات وفق منظومتها الجماهيرية والتعبوية .
الايرانيون من جانبهم يرون ان اجراء الانتخابات في موعدها يدعم الكتل التي تتفاعل مع مشروعهم في العراق, ونقصد بها الحشد الشعبي وكتلة دولة القانون جناح المالكي, لكنهم ايضا يخشون ان تنفرد هذه الكتل بفوز ساحق سيثير حنق الولايات المتحدة ودول الجوار , حيث ان المعادلة في العراق باتت ثلاثية ولا يجوز ان ينفرط عقد هذه المعادلة مهما تغيرت الظروف السياسية والامنية والاجتماعية في البلاد.
فيما ترى الولايات المتحدة ان الوقت الملائم لاجراء الانتخابات هو نجاح المشروع الامريكي الذي يقوده ترامب في المنطقة والذي يسعى لتحييد ايران ولجم نفوذها في المنطقة, ومحاولة تجذير كره عربي وتدافع عربي سلبي تجاه ايران على حساب نسيان القضية القومية العربية الاولى وهي فلسطين, لذلك فان الانتخابات وفق القياسات الامريكية اذا جرت في هذه المرحلة فانها ستعطي دفعة ايرانية للبقاء والتمدد وجر الانفاس من جديد وهذا ما لا يتوافق مع المشروع الامريكي في المنطقة والتي جعلت من السعودية منطلقا له.
كما تبرز هنا المشاكسات التي ساقها العبادي في ابعاد قيادات وفصائل الحشد الشعبي عن الصراع الانتخابي والتي قصد بها تجميد فرص غريمه في حزب الدعوة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وتشذيب اضفاره في حال الحد من مشاركة داعميه في الانتخابات القادمة , الامر الذي لم يرق لايران لحدج الان لكنها لم تعلق ولم تعط موقفا واضحا ازاءه.