حرق التراث العراقي.. مسؤولية من؟

حيدر اليعقوبي*
يتصدر العراق الدول الأكثر فسادًا في العالم، بالرغم من وجود هيئات رقابية تكاد تكون الأولى من نوعها في الشرق الأوسط من حيث “المسميات”، وتعتبر تلك الهيئات واجهة لتغطية فساد المتنفذين في الحكومة العراقية. فالأمر لم يعد غريبًا أو مخفيًّا على أحد.
الهيئات الرقابية “ربما” لم تجد دليلًا لإدانة مئات الشخصيات الذين تسنموا مناصب تنفيذية في الحكومة، ورؤساء الأحزاب السياسية، ولعلَّ أبرز أساليب طمس الأدلة وإتلافها تكون عن طريق “حريق في غرف العقود” التابعة للوزارات والدوائر التابعة لها، وقد شهد العراق عشرات الحوادث للحرائق التي يكون سببها تماس كهربائي. آهٍ من الكهرباء التي تنقطع عن كل العراق وتستمر في غرف العقود فقط!
ولما كان السكوت من قبل الجهات الرقابية أولًا، والسلطة الرابعة ثانيًا، علامة على القناعة على تلك الحرائق التي أعتبرها وتعتبرها الغالبية “مُفتَعَلة”؛ استفحلت في الآونة الأخيرة، لتشمل الأماكن التراثية في شارع الرشيد في قلب العاصمة بغداد.
في عام 1999 سنَّت الحكومة السابقة التشريع رقم (14)، والذي أُدرج فيه (144) مبنىً في شارع الرشيد ضمن الأبنية التراثية، وقد صدر هذا التشريع استنادًا إلى أحكام المادة الأُولى فقرة (2) والمادة الثامنة من قانون الآثار رقم (59) لسنة 1936 المعدَّل.
الأبنية التراثية لا يجوز هدمها وفق القوانين العراقية، إلا إذا تهدمت من تلقاء نفسها، أو اذا كان دوام وجودها يشكل خطرًا حال ومؤكَّد، وبما أن هدمها أصبح مستحيلًا فلابدَّ من افتعال طريقة ما إذا أردت تهديهما، كالحرائق مثلًا، لكي تباع تلك الأماكن كقطع أراضٍ فارغة.
المباني التراثية تابعة لوزارة الثقافة، وعند خروج أي مبنى عن معايير اعتباره تراثيًا فيصبح عبارة عن قطعة أرض، يمكن بيعها وفق قانون بيع وإيجار أموال الدولة رقم 13 لسنة 2013، إذ يمكن لأي شخص التقدم لغرض شراء تلك الأرض، ثم يحصل على موافقة الوزارة، ثم تخضع للتقييم. هذا في حال قدَّم مواطنًا عاديًا طلبًا لشراء القطعة، فكيف الأمر اذا قدَّمت جهة سياسية لشرائه!
الأحزاب السياسية استحوذت على الكثير من المباني الحكومية، وبعضهم قام بشرائها بأثمان بخسة، كما حدث مع كلية “البكر” التي تحولت فيما بعد إلى كلية الإمام الصادق عليه السلام تابعة للوقف الشيعي “حكومية”، ثم اشترى “سماحة السيد” تلك الكلية بسعر 100 ألف دينار للمتر الواحد، وبالتقسيط المريح أيضًا لعشرة سنوات، لتتحول إلى جامعة “أهلية”، على سبيل المثال لا الحصر.
الشكوك حول حرائق المباني التراثية لم يأتِ اعتباطًا لولا تكراره في الآونة الأخيرة، فسعر المتر في شارع الرشيد قد يصل إلى مليوني دينار، وبذلك يمكن لأي جهة حزبية أن تقدم الطلب لشراء مساحات كبيرة ربما يكون سعر المتر الواحد 10 آلاف دينار، وفق القانون طبعًا!
ما يحدث للأبنية التراثية في شارع الرشيد هو كارثة أخلاقية بحق الإرث العراقي، وللأسف لا يوجد أي تفاعل حكومي حيال ذلك، وهنا نطرح التساؤل من المستفيد من تلك الحرائق؟
لماذا تتأخر عملية إطفاء الحريق لتصل إلى أُسبوع في بعض الأحيان؟
ينقل لي أحد المسؤولين إن عملية عمليات اطفاء حرائق أبنية صغيرة تشبه إلى حد كبير عملية اطفاء غابات محترقة، لغرض إغراق تلك المباني بالمياه، الذي يؤدي إلى تآكل الأرضية القديمة، وهذا الأمر إن لم يؤدِّ إلى سقوط المبنى، فسيكون آيلًا للسقوط، ويتم تهديمه بذريعة الخشية من انهياره والتسبب بأضرار كبيرة!
عن نفسي لا أستبعد وجود مافيات تدير الحرائق في الأبنية التراثية، وإلا لا يوجد أي تفسير لعملية إغراق المباني القديمة بالمياه، وكذلك عمليات الإطفاء التي تصل لأُسبوع، فالحرائق تلتهم أبنية صغيرة يمكن إطفائها بـ”الفزعة” كما حدث قبل أيام في إحدى المناطق عندما اندلع حريق في حقل خشبي للحيوانات، وقمنا بالاتصال بالدفاع المدني الذي وصلت سياراتهم لمكان الحادث بعد 20 دقيقة، لكنهم لم يجدوا شيئًا من الحريق بعد أن هب أبناء المنطقة لإطفائه خلال الوقت الذي استغرقته سيارات الإطفاء للوصول الى مكان الحريق.

*سكرتير التحرير