قاعات البلياردو والمقاهي تعيد الحياة للشباب في أيسر الموصل

بغداد – الإعمار
داخل قاعة ألعاب في شرق الموصل لا يوجد سوى القليل من الدلائل على أن الحرب لا تزال تنتشر في هذه المدينة أو أن داعش كانت تسيطر عليها في وقت سابق من هذا العام.
قاعة البلياردو التي أُنشئت عام 1990، مكان لتجمع عشاق هذه اللعبة التي عرفها العراقيون منذ عقود طويلة، القاعة مليئة بدخان الاراجيل، والرخام المزخرف لتعكس جمالها، وعاد هواة اللعبة لممارستها بعد أن حُرموا لأكثر من عامين.
بعد وقت قصير من سيطرة تنظيم داعش الارهابي على الموصل في صيف عام 2014، أمر تنظيم داعش بغلق القاعة بحجة أنها تتنافى مع تعاليم الإسلام، واللاعبون يجب أن ينخرطوا بالجهاد.
ومع طرد المسلحين من شرق المدينة، تُعد هذه القاعة واحدةً من أكثر من عشرة قاعات تجمّع أُعيد فتحها، ويحاول السكان استعادة الشعور بالحياة الطبيعية بعد فتح أندية جديدة، ويراهن السكان يأنهم سينغمسون في بعض التسلية وممارسة هواياتهم التي حظرها عناصر داعش.
ويقول فارس العبدلي، وهو لاعب الدولي للسنوكر، لصحيفة “واشنطن بوست”، “نحن لا نسعى للفوز، بل نسعى إلى الفرح. عجلة الحياة تدور مرة أخرى، لكنها بطيئة”.
ويضيف، “لا أحد يأبه لأصوات الانفجارات البعيدة التي تكون أحيانا أعلى من صوت الموسيقى.
وفي أيسر الموصل، كانت أصوات الانفجارات وحظر الموسيقى التي منعها داعش إضافة الى السجائر وقطع المياه، سمات يتلذذ بها التنظيم الارهابي.

وتنقسم الموصل بين أراض مُسيطر عليها حكومياً، وأحياء لاتزال قبضة تنظيم داعش، رغم أن الحرب دخلت شهرها السابع. والمسلحون محاصرون في المناطق القليلة القديمة.
ومنذ إستعادة السيطرة على الجانب الشرقي للمدينة بشكل كامل في وقت سابق من هذا العام، عادت الحياة تدريجياً اليها، فعاد الطلبة الى مدارسهم للحاق السنوات الضائعة التي ضاعت بعد أحكام داعش المتطرفة. المحال التجارية هي الأخرى عادت للظهور، وعارضات الأزياء الاصطناعية بدأت تعج في محال الملابس النسائية التي حظرها المسلحون لحظة ظهورهم.
ومع ذلك، فإن قذائف الهاون التي تُطلق من الجانب الآخر ماتزال تهز الأمان في أيسر المدينة، فضلاً عن عبور السيارات المفخخة في بعض الاحيان، ووصول موجات جديدة من الأُسر التي تعبر النهر بحثاً عن الأمان.
العبدلي كان خائفًا عندما أعاد فتح قاعته بعد مرور شهرين على تحرير أيسر الموصل، معتقداً ان الخلايا النائمة تعمل على رصد من يحاول ان يعود لحياته الطبيعية، فبنظر التنظيم الارهابي افتتاح هكذا قاعات انشطة مشبوهة، لذلك كان العبدلي يخشى ان تكون قاعته هدفاً بهجوم عبوة او حزام ناسف.


وكان العبدلي قد عاد لتوه من بطولة السنوكر الدولية في الامارات العربية المتحدة، حين سيطر المسلحون على مدينته. وقال “تلقيت تهديدات كثيرة بإغلاق قاعتي، وحين عدت الى الموصل، اعتقلني مسلحون وبقيت 37 يومياً في سجون داعش، بإستثناء ليلتين في الحبس الإنفرادي المظلم”، مضيفًا: “لا زلت اعاني نفسياً من هذا التعذيب”.
العبدلي يبلغ من العمر 56 عاماً تعلم لعب السنوكر في عام 1970 حين كان يعمل مع والده في شركة كورية مختصة ببناء العمارات السكنية.
وكان العبدلي قد فتح قاعته في ثمانينات القرن الماضي، لتصبح هذه اللعبة شعبية بين طلاب الموصل وفي الجامعة. ويقول: هناك أكثر من 400 قاعة بلياردو في المدينة حظرها داعش لحظة ظهوره، بحسب العبدلي.
وافتتح العبدلي في عام 1997 قاعة اخرى، ليشرف على تدريب الشباب الذين يمتلكون موهبة السنوكر.
وبدأ اصحاب القاعات في المدينة بالفرار من تنظيم داعش، اذ يبتز المسلحون اصحاب القاعات بدفع مبالغ من أجل بقائهم على قيد الحياة.

وفي عام 2005 كان العبدلي يدفع 200 دولار في الشهر الواحد لمجموعة حراس يقفون امام باب القاعة خوفاً من أن يضع أحد ما قنبلة.
ولفت الى ان الشكاوى المقدمة الى السلطات العراقية آنذاك مزقها الفساد ولا معنى لها، فمنذ عقود وأنا أدفع للمرتشين والمتطرفين، لكن لدي أمل بإستمرار الحياة.
وفي ظل الظرف الراهن، لايزال الناس يشعرون بالقلق من الخروج ليلاً في ظل فرض حظر التجوال، وهذا ما يشكل عائقاً أمام الزبائن الذين يريدون البقاء في القاعة لما بعد الساعة الثامنة مساءً.
ويقول العبدلي واصفاً الوضع الانساني، إن العديد من السكان يجمعون اموالهم مقابل الغذاء ولا يمكنهم تحمل نفقات اللعب في القاعة.

سالم يونس، وهو طيار في سلاح الجو العراقي، ويأتي معظم أيام الأسبوع لقضاء وقت في القاعة ومشاهدة المباريات وهو يرتدي ملابسه العسكرية، يقول: “الحياة تعود شيئًا فشيئًا إلى ايسر الموصل، وخطوة بعد الأُخرى سنحرر الجانب الأيمن ونشاهد كرة القدم هناك”.
أما الأولاد الذين تجمعوا للعب البلياردو تبادلت قصص مآثرهم تحت وطأة داعش.
محمد إبراهيم، البالغ من العمر 16 عاما الذي يبيع السجائر سرًّا في ظل سيطرة داعش على المدينة، أمضى وقتا في سجون التنظيم بعد أن اعتقله عناصر التنظيم وهو يبيع السجائر.
ويقول إبراهيم، “كنت أبيع علبة السجائر بـ32 ألف دينار، أما الآن فقد عاد سعرها الطبيعي إلى 500 دينار.

*ترجمة الإعمار