المال السياسي والجهل الإنتخابي
مازن صاحب
اعتمد النظام البرلماني في إدارة الدولة العراقية، وكل دورة برلمانية لأربع سنوات تأتي بانتخابات، حالة دستورية ومبعث فخر واعتزاز بتداول السلطة سلميا عبر صناديق الاقتراع، لكن مفاسد المحاصصة تطرح تساؤلا عن معضلة كبرى تحول هذا التداول السلمي للسلطة الى نموذج فج اكثر قبحا من الانقلابات العسكرية حينما يوظف المال السياسي من قوت الشعب في صفقات الفساد الكبرى، ليجلس حيتان الفساد على مقاعد مجلس النواب وبذات الأصابع البنفسجية التي ستقف عند صندوق الاقتراع امام تراكم كبير من الحشد الإعلامي الذي يحاكي همومهم وميولهم واتجاهاتهم .
السؤال: ما مسؤولـــــــية الاعلام في التثقيف الانتخابي مقابل المال السياسي ؟؟
هناك فارق كبير بين الادبيات الاكاديمية وما اغنت المكتبة الإعلامية من كتب وبحوث ودراسات عن المسؤولية الأخلاقية للإعلام وبين واقع التطبيق، فالمؤسسات الإعلامية غالبا ليست بيتا للأعمال الخيرية، بل مؤسسات تجارية، وهي تنتظم في نسق مهني وتقاليد واعراف نقابية تؤطر بالمشهد السياسي، فما يظهر في الاعلام هو نتيجة وغاية في ذات الوقت ، لذلك أي حديث عن القيمة المهنية للتثقيف الانتخابي تتطلب التوقف كثيرا عند مدخلات التمويل مقابل مخرجات التثقيف كغاية تدرك في بناء التعايش السلمي والمواطنة الصالحة كنموذج للتداول السلمي للسلطة .
ما يحصل في العراق منذ عام 2003 وحتى الان انه انتقل من نظام الحزب الواحد واعلامه ذي الماركة الموحدة الى نموذج دكتاتوريات الأحزاب ونموذج الانتهازية الإعلامية وظهور نماذج إعلامية منها من تنازل عن ارثه الطيب من المهنية لصالح التمويل، واخرين تقافزوا على سطح أي موجة فاخذوا ينتقلون من موجة الى أخرى ضمن الطيف السياسي العراقي، والضحية بالنتيجة ذات الناخب الذي لم يفقه شيئا عن حقوقه السيادية في الدستور العراقي ليطالب بها من ينتخبهم ويوجد اليات لمحاسبتهم لعل أبرزها وسائل الاعلام أبرزها.
وتجارب الشعوب والأمم في التعامل مع متغيرات الانتقال من نظام حكم شمولي الى نظام برلماني دستوري، البحث عن حلول لهذه المتغيرات، لكن عراق اليوم يخوض غمار الدعاية الانتخابية مبكرا دون ان يحدد المنهج والنسق المطلوب للابتعاد عن توظيف أموال مفاسد المحاصصة في لبننة العملية السياسية وبقاء مخرجاتها تدور في فلك المحاصصة بوجوه من ذات الطراز الذي دمر فرص ارتقاء العراق ، ويتحمل الاعلام العراقي ومؤسساته واتحاداته ونقاباته مسؤولية مجتمعية بالغة الأهمية في تثقيف العراقيين بحقوقهم في الدستورية ، واهمية التعامل مع البرنامج الانتخابي وخلق اليات مراجعة تطبيقاته كل عام على اقل تقدير من خلال برامج إعلامية ، فمع نهاية العام او بدايته ، يتطلب من القوات الفضائية ومراكز استبانة الراي العام ان تستطلع منجزات الدولة في حلول معضلاتها مقابل البرامج التي قدمتها خلال الحملة الانتخابية ، عندها فقط يمكن الحديث عن ديمقراطية مجتمعية، هكذا اطلقت الأحزاب الاوربية على نفسها مسميات مجتمعية، لان المطلوب طرح الفكر السياسي مع تطبيقات تخدم المواطن في حقوقه الأساسية ، مهمة حيوية في انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات ، نحتاج ثقافة جماهيرية تفهم الاخر في التعايش السلمي وحقوق المواطنة الصالحة ، وحرمة المال العام، وقدرات العمل التطوعي الإبداعي، كحلول نوعية لبناء الانسان والاسرة لمجتمع نافع ، ينبذ الطائفية والتفرقة العنصرية والتهميش المناطقي، ويتعامل مع عراق واحد للجميع، ليس كشعارات انتخابية جوفاء، بل تطبيقات قانونية وسياسات عامة للدولة، نحتاج ان نسال ساسة الصف الأول اليوم حينما قدموا للعراق كم كانوا يملكون، وما يملكون اليوم ، وعلى الادعاء العام ان يمارس دوره السيادي في استكمال هذا التساؤل بمنجز قضائي قبل الانتخابات، هل من مستجيب ؟؟